فصل: كتاب للخراج

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد **


حرف الخاء

خُبْزٌ‏:‏

ثبت في ‏(‏الصحيحين‏)‏، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم، أنه قال‏:‏ ‏(‏تكونُ الأَرضُ يَوْمَ القِيَامَةِ خُبْزَةً واحدةً يَتَكَفَّؤُها الجبَّارُ بيده كما يَكْفُؤُ أَحَدُكُم خُبْزَتَه في السَّفَر نُزُلاً لأهل الجنَّةِ‏)‏‏.‏

وروى أبو داود في ‏(‏سننه‏)‏‏:‏ من حديث ابن عباس رضى الله عنهما، قال‏:‏ ‏(‏كان أحبَّ الطعامِ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم الثريدُ مِن الخُبز‏)‏،والثريدُ من الحَيْس‏.‏

وروى أبو داود في ‏(‏سننه‏)‏ أيضا، من حديث ابن عمر رضى الله عنه، قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏وَدِدْتُ أنَّ عندى خُبْزَةً بَيضاءَ من بُرَّةٍ سَمْراءَ مُلَبَّقَةٍ بسَمْنٍ ولَبنٍ‏)‏، فقام رجلٌ من القوم فاتخذه، فجاء به، فقال‏:‏ ‏(‏في أىِّ شىءٍ كان هذا السَّمْنُ‏)‏ ‏؟‏ فقال‏:‏ في عُكَّةِ ضَبٍّ‏.‏ فقال‏:‏ ‏(‏ارفَعْهُ‏)‏‏.‏

وذكر البيهقى من حديث عائشة رضى الله عنها ترفعه‏:‏ ‏(‏أكرِمُوا الخُبْزَ، ومِنْ كرامتِه أن لا يُنتظرَ به الإدامُ‏)‏‏.‏ والموقوف أشْبَهُ، فلا يثبت رفعُه، ولا رفعُ ما قبله‏.‏

وأما حديثُ النهى عن قطع الخبز بالسكين، فباطل لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما المروىُّ‏:‏ النهى عن قطع اللَّحم بالسِّكِّين، ولا يَصِحُّ أيضاً‏.‏

قال مُهَنَّا‏:‏ ‏(‏سألتُ أحمد عن حديث أبى معشرٍ، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضى الله عنها، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا تقطعوا اللَّحْمَ بالسِّكِّين، فإن ذلك من فِعْلِ الأعاجِم‏)‏‏.‏ فقال‏:‏ ليس بصحيح، ولا يُعرف هذا، وحديثُ عمرو بن أُميَّةَ خلاف هذا، وحديثُ المغيرة يعنى بحديث عمرو بن أُمية‏:‏ كان النبىُّ صلى الله عليه وسلم يحتزُّ مِن لحم الشاة‏.‏ وبحديث المغيرة أنه لمَّا أضافه أمَرَ بِجَنْبٍ فشُوِىَ، ثم أخذَ الشَّفْرَةَ، فجعل يَحُزُّ‏.‏

فصل‏:‏ في أنواع الخبز

وأحمدُ أنواع الخبز أجودُها اختماراً وعجناً، ثم خبزُ التَّنُّور أجودُ أصنافه، وبعدَه خبزُ الفرن، ثم خبزُ المَلَّة في المرتبة الثالثة، وأجودُه ما اتُّخِذَ من الحنطة الحديثة‏.‏

وأكثرُ أنواعه تغذيةً خبزُ السَّميذ، وهو أبطؤها هضماً لِقلَّة نخالته، ويتلُوه خبز الحُوَّارَى، ثم الخُشْكَار‏.‏

وأحمدُ أوقات أكله في آخِر اليوم الذي خُبِزَ فيه، والليِّنُ منه أكثر تلييناً وغذاءً وترطيباً وأسرع انحداراً، واليابسُ بخلافه‏.‏

ومزاج الخبز من البُرِّ حار في وسط الدرجة الثانية، وقريبٌ من الاعتدال في الرطوبة واليُبُوسة، واليُبسُ يَغْلِبُ على ما جفَّفَتْه النارُ منه، والرطوبة على ضده‏.‏

وفى خبز الحِنْطة خاصيَّةٌ، وهو أنه يُسمِّن سريعاً، وخبز القطائف يُوَلِّد خلطاً غليظاً، والفَتيتُ نفَّاخ بطىءُ الهضم، والمعمول باللَّبن مسدِّد كثير الغذاء، بطىء الانحدار‏.‏

وخبزُ الشعير بارد يابس في الأُولى، وهو أقل غذاءً من خبزَ الحِنْطة‏.‏

خَلٌ‏:‏

روى مسلم في ‏(‏صحيحه‏)‏‏:‏ عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم سأل أهلَه الإدَامَ، فقالوا‏:‏ ما عندنَا إلا خَلٌ، فدعا به، وجعل يأكُلُ ويقول‏:‏ ‏(‏نِعْمَ الإدَامُ الخَلُّ، نِعْمَ الإدَامُ الخَلُّ‏)‏‏.‏

وفى ‏(‏سنن ابن ماجه‏)‏ عن أُمِّ سعد رضى الله عنها عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏نِعْمَ الإدَامُ الخَلُّ، اللَّهُمَّ بَارِكْ في الخَلِّ، فإنه كان إدامَ الأنبياء قبلى، ولَمْ يَفْتَقِر بيتٌ فيه الخَلُّ‏)‏‏.‏

الخَل‏:‏ مركَّب من الحرارة، والبرودة أغلبُ عليه، وهو يابس في الثالثة، قوىُّ التجفيف، يمنع من انصباب المواد، ويُلطِّف الطبيعة، وخَلُّ الخمر ينفع المعدة الملتهبة، ويَقْمَعُ الصَّفْرَاء، ويدفع ضَرَر الأدوية القتَّالة، ويُحَلِّل اللَّبنَ والدم إذا جَمَدا في الجوف، وينفع الطِّحَالَ، ويدبغ المَعِدة، ويَعقِلُ البطن، ويقطعُ العطش، ويمنع الورمَ حيث يُريد أن يحدث، ويُعين على الهضم، ويُضاد البلغم، ويُلطِّف الأغذية الغليظة، ويُرِقُّ الدم‏.‏

وإذا شُرِب بالملح، نفع من أكل الفُطُر القتَّال، وإذا احتُسى، قطع العلق المتعلق بأصل الحنَكِ، وإذ تُمضمض به مُسَخَّناً، نفع من وجع الأسنان، وقوَّى اللِّثَة‏.‏

وهو نافع للدَّاحِس، إذا طُلِىَ به، والنملةِ والأورام الحارة، وحرق النار، وهو مُشَهٍّ للأكل، مُطيِّب للمَعِدة، صَالح للشباب، وفى الصيف لسكان البلاد الحارة‏.‏

خِلاَلٌ‏:‏

فيه حديثان لا يَثبُتان، أحدهما‏:‏ يُروى من حديث أبى أيوب الأنصارىِّ يرفعه‏:‏

‏(‏يا حَبَّذَا المُتَخَلِّلونَ من الطَّعَام، إنه ليس شىءٌ أشدَّ على المَلَكِ من بَقيَّةٍ تَبْقَى في الفم من الطَّعَامِ‏)‏، وفيه واصلُ بن السائب، قال البخارى والرازى‏:‏ منكر الحديث، وقال النسائى والأَزْدِى‏:‏ متروك الحديث‏.‏

الثانى‏:‏ يُروى من حديث ابن عباس، قال عبد الله بن أحمد‏:‏ سألت أبى عن شيخ روى عنه صالحٌ الوُحَاظىُّ يقال له‏:‏ محمد بن عبد الملك الأنصارى، حدَّثنا عطاءُ عن ابن عباس، قال‏:‏ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُتَخَلَلَ باللِّيط والآس، وقال‏:‏ ‏(‏إنهما يسقيان عُروقَ الجُذَام‏)‏، فقال أبى‏:‏ رأيتُ محمد ابن عبد الملك وكان أعمى يضعُ الحديث ويكذب‏.‏

وبعد‏.‏‏.‏ فالخِلالُ نافع لِلِّثة والأسنان، حافظ لصحتها، نافع من تغير النكهة، وأجودُه ما اتُّخِذَ من عيدان الأخِلة، وخشب الزيتون والخِلاف، والتخللُ بالقصب والآس والرَّيحان والباذروج مُضِرٌ‏.‏

حرف الدال

دُهْنٌ‏:‏

روى الترمذى في كتاب ‏(‏الشمائل‏)‏ من حديث أنس بن مالك رضى الله عنهما، قال‏:‏ ‏(‏كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثِرُ دُهْنَ رأسِهِ، وتسريحَ لِحيته، وُيكْثِرُ القِنَاعَ كأن ثَوْبَه ثَوْبُ زَيَّاتٍ‏)‏‏.‏

الدُّهن يسد مسامَ البدن، ويمنع ما يتحلَّل منه، وإذا استُعْمِلَ بعد الاغتسال بالماء الحار، حسَّنَ البدنَ ورطَّبَهُ، وإن دُهن به الشَّعر حسَّنه وطوَّله، ونفع من الحَصْبَةِ، ودفع أكثر الآفاتِ عنه‏.‏

وفى الترمذى‏:‏ من حديث أبى هريرة رضى الله عنه مرفوعاً‏:‏ ‏(‏كُلُوا الزِّيْتَ وادَّهِنُوابه‏)‏‏.‏‏.‏ وسيأتى إن شاء الله تعالى‏.‏

والدُّهْن في البلاد الحارة كالحجاز ونحوه من آكد أسباب حفظ الصحة وإصلاح البدن، وهو كالضرورى لهم، وأما البلادُ الباردة، فلا يحتاجُ إليه أهلُها، والإلحاح به في الرأس فيه خطرٌ بالبصر‏.‏

وأنفع الأدهان البسيطة‏:‏ الزيت، ثم السمن، ثم الشَّيْرَج‏.‏

وأما المركَّبة‏:‏ فمنها بارد رطب، كدُهن البنفسج ينفع من الصُّداع الحار، ويُنوِّم أصحاب السهر، ويُرطِّبُ الدماغ، وينفعُ مِن الشُّقاق، وغلبة اليبس، والجفاف، ويُطلَى به الجرب، والحِكَّة اليابسة فينفعُها، ويُسَهِّلُ حركة المفاصل، ويصلح لأصحاب الأمزجة الحارة في زمن الصيف، وفيه حديثان باطلان موضوعان على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحدُهما‏:‏ ‏(‏فضلُ دُهن البَنَفْسَج على سائر الأدهان، كَفَضْلى على سائرِ الناس‏)‏‏.‏ والثانى‏:‏ ‏(‏فضلُ دُهن البنفسَج على سائر الأدهان، كفضل الإسلام على سائر الأديان‏)‏‏.‏

ومنها‏:‏ حارٌ رطب، كدُهْن البان، وليس دُهنَ زهره، بل دُهن يُستخرج من حبٍّ أبيض أغبرَ نحو الفُسْتق، كثيرِ الدُّهنية والدسم، ينفع من صلابة العصب، ويُليِّنه، وينفع من البَرَش، والنَّمَش، والكَلَفِ، والبَهَقِ، ويُسَهِّلُ بلغماً غليظاً، ويُلين الأوتار اليابسة، ويُسخِّن العصب، وقد رُوى فيه حديث باطل مختلَق لا أصل له‏:‏ ‏(‏ادَّهِنُوا بالبانِ، فإنه أحظى لكم عند نسائكم‏)‏‏.‏ومن منافعه أنه يَجلو الأسنان، ويُكسبَها بهجةً، ويُنَقِّيَها من الصدأ، وَمَن مسح به وجهَه وأطرافه لم يُصبه حصىً ولا شُقاق، وإذا دهن به حِقْوَه ومذَاكِيره وما والاها، نفع من برد الكُليَتَين، وتقطير البَوْل‏.‏

حرف الذال

ذَرِيرَةٌ‏:‏

ثبت في ‏(‏الصحيحين‏)‏‏:‏ عن عائشة رضى الله عنها قالت‏:‏ ‏(‏طَيَّبتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بيدى، بذَرِيرَةٍ في حَجَّةِ الوَدَاع لِحَلِّه وإحرامِهِ‏)‏‏.‏

تقدم الكلام في الذَّريرة ومنافعها وماهِيتها، فلا حاجة لإعادته‏.‏

ذُبَابٌ‏:‏ تقدَّم في حديث أبى هريرة المتفق عليه في أمره صلى الله عليه وسلم بِغَمْسِ الذُّباب في الطعام إذا سقط فيه لأجل الشِّفَاء الذي في جناحه، وهو كالتِّرْياق للسُّمِّ الذي في الجناح الآخر، وذكرنا منافع الذُّباب هناك‏.‏

ذَهَبٌ‏:‏

روى أبو داود، والترمذى‏:‏ ‏(‏أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم رَخَّص لعَرْفَجَةَ ابن أسعدَ لَمَّا قُطع أنفُهُ يومَ الكُلاب، واتَّخَذَ أنفاً من وَرِقٍ، فأَنْتَن عليه، فأمَرَه النبىُّ صلى الله عليه وسلم أن يَتَّخِذَ أنفاً من ذَهبٍ‏)‏‏.‏ وليس لعَرْفَجَةَ عندهم غيرُ هذا الحديث الواحد‏.‏

الذهبُ‏:‏ زينةُ الدنيا، وطِلَّسْمُ الوجود، ومفرِّح النفوس، ومقوِّى الظُّهور، وسِرُّ اللهِ في أرضه، ومزاجُه في سائر الكيفيات، وفيه حرارةٌ لطيفة تدخل في سائر المعجونات اللطيفة والمفرحات، وهو أعدل المعادن على الإطلاق وأشرفُها‏.‏

ومن خواصه أنه إذا دُفِنَ في الأرض، لم يضره الترابُ، ولم يَنقُصه شيئاً، وبُرَادتُهُ إذا خُلِطت بالأدوية، نفعتْ من ضعف القلب، والرَّجَفَان العارض من السوداء، وينفع من حديث النَفْس، والحزن، والغم، والفزع، والعشق، ويُسمِّن البدن، ويُقوِّيه، ويُذهب الصفار، ويُحسِّنِ اللَّون، وينفع من الجُذَام، وجميعِ الأوجاعِ والأمراض السَّوْدَاوِيَّةِ، ويَدخل بخاصيَّة في أدوية داء الثعلب، وداء الحية شُرباً وطِلاءً، ويجلو العَيْن ويُقوِّيها، وينفع من كثير من أمراضها، ويُقوِّى جميع الأعضاء‏.‏

وإمساكُهُ في الفم يُزيل البَخر، وَمَن كان به مرض يَحتاج إلى الَكىِّ، وكُوِىَ به، لم يتنفطْ موضِعُهُ، وَيَبرأْ سريعاً، وإن اتَّخذ منه ميلاً واكتَحَلَ به، قَوَّى العَيْن وجَلاها، وإن اتَّخذ منه خاتمٌ فَصُّه منه وأُحمىَ، وكُوِىَ به قَوَادِمُ أجنحةِ الحمَام، ألِفَتْ أبراجَها، ولم تنتقِلْ عنها‏.‏

وله خاصيَّة عجيبة في تقوية النفوس، لأجلِها أُبِيحَ في الحرب والسِّلاحِ منه ما أُبيح، وقد روى الترمذى من حديث مَزِيدَة العَصَرى رضى الله عنه، قال‏:‏ دخل رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يومَ الفَتْح، وعلى سيفِهِ ذَهَبٌ وفِضةٌ‏.‏

وهو معشوقُ النفوس التي متى ظَفِرَتْ به، سلاها عن غيره من محبوباتِ الدنيا، قال تعالى‏:‏‏{‏زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ المُسَوَّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ‏}‏ ‏[‏آل عمران ‏:‏ 14‏]‏‏.‏

وفى ‏(‏الصحيحين‏)‏‏:‏ عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لو كان لابنِ آدَمَ وادٍ من ذَهبٍ لابْتَغَى إليه ثانياً، ولو كان له ثانٍ، لابتَغَى إليه ثالثاً، ولا يَملأُ جَوفَ ابنِ آدَمَ إلاَّ التُّرَابُ، وَيتوبُ اللهُ عَلى مَن تابَ‏)‏‏.‏

هذا وإنه أعظم حائلٍ بيْنَ الخلِيقةِ وبيْنَ فوزِهَا الأكبر يومَ مَعَادها، وأعظمُ شىء عُصِىَ اللهُ به، وبه قُطِعَتِ الأرحامُ، وأُرِيقتِ الدِّماءُ، واستُحِلَّتِ المحارمُ، ومُنِعَتِ الحقوق، وتَظَالَمَ العباد، وهو المُرَغِّب في الدنيا وعاجِلِها، والْمزَهِّد في الآخرة وما أعدَّه اللهُ لأوليائه فيها، فكم أُمِيتَ به من حقٍّ، وأُحيِىَ به من باطلٍ، ونُصِرَ به ظالمٌ، وقُهِرَ به مظلومٌ‏.‏ وما أحسن ما قال فيه الحَرِيرىُّ‏:‏

تَبَّاً لَهُ مِنْ خَـادِعٍ مُمَـــاذِقِ ** أصْفَرَ ذِى وَجْهَيْـنِ كالْمُنَافِـقِ

يَبْـدُو بوَصْفَيْنِ لِعَينِ الرَّامِـقِ ** زِينَة مَعشُوقٍ وَلَوْنِ عاشِــــقِ

وَحُبُّهُ عِنْدَ ذَوِى الْحَقَائِـــقِ ** يَدْعُو إلى إرْتِكَابِ سُخْـطِ الْخالِقِ

لَوْلاَهُ لَمْ تُقْطَعْ يَمينُ السَّـارِقِ ** وَلاَ بَدَتْ مَظْلِمَةٌ مـن فاسِــقِ

وَلاَ اشْمأَزَّ باخِلٌ مِنْ طَــارِقِ ** وَلاَ اشتكى الْمَمْطُولُ مَطْلَ الْعَائِقِ

وَلا اسْتُعِيذَ من حَسُودٍ رَاشِـقِ ** وَشَرُّ ما فِيهِ مِنَ الْخَـــــلاَئِقِ

أنْ ليْسَ يُغْنِى عَنْكَ في الْمَضَـايِقِ ** إلاَّ إذَا فَرَّ فِــــرَارَ الآبــِقِ

حرف الراء

رُطَبٌ‏:‏

قال الله تعالى لمريَمَ‏:‏ ‏{‏وَهُزِّى إلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً فَكُلِى وَاشْرَبِى وَقَرِّى عَيْناً‏}‏ ‏[‏مريم ‏:‏ 25‏]‏‏.‏

وفى ‏(‏الصحيحين‏)‏ عن عبد الله بن جعفر، قال‏:‏ ‏(‏رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكُلُ القِثَّاءَ بالرُّطَبِ‏)‏‏.‏

وفى ‏(‏سنن أبى داود‏)‏، عن أنس قال‏:‏ ‏(‏كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُفْطِرُ على رُطَباتٍ قَبْلَ أن يُصَلِّىَ، فإنْ لم تكُنْ رُطباتٍ فتمراتٍ، فإن لم تكن تَمَراتٍ، حَسَا حسْوَاتٍ من ماءٍ‏)‏‏.‏

طبْعُ الرُّطَبِ طبعُ المياه حار رَطب، يُقوِّى المعدة الباردة ويُوافقها، ويزيد في الباه، ويُخصِبُ البدنَ، ويوافق أصحابَ الأمزجة الباردة، ويَغذُو غِذاءً كثيراً‏.‏

وهو مِن أعظم الفاكهة موافقةً لأهلِ المدينة وغيرِها من البلاد التي هو فاكهتُهم فيها، وأنفعها للبدن، وإن كان مَن لم يَعْتَدْهُ يُسرعُ التعفُّن في جسده، ويَتولَّدُ عنه دم ليس بمحمود، ويحدث في إكثاره منه صُدَاعٌ وسوداءٌ، ويُؤذى أسنانه، وإصلاحُه بالسَّكنْجَبِين ونحوه‏.‏

وفى فِطر النبى صلى الله عليه وسلم من الصوم عليه، أو على التمر، أو الماء تدبيرٌ لطيفٌ جداً، فإن الصوم يُخلى المعدة من الغذاء، فلا تَجِدُ الكبدُ فيها ما تَجذِبُه وتُرسله إلى القُوَى والأعضاء، والحلوُ أسرع شىء وصولاً إلى الكبد، وأحبُّه إليها، ولا سِيَّما إن كان رطباً، فيشتدُّ قبولها له، فتنتفع به هي والقُوَى، فإن لم يكن، فالتمرُ لحلاوته وتغذيته، فإن لم يكن، فحسواتُ الماء تُطفىء لهيبَ المعدة، وحرارة الصوم، فتنتبهُ بعده للطعام، وتأخذه بشهوة‏.‏

رَيْحانٌ‏:‏

قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَأَمَّا إن كَانَ مِنَ المُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ‏}‏ ‏[‏الواقعة ‏:‏ 88‏]‏‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ‏}‏ ‏[‏الرحمن ‏:‏ 12‏]‏

وفى ‏(‏صحيح مسلم‏)‏ عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مَن عُرِضَ عليه رَيْحَانٌ، فَلا يَرُدَّهُ، فإنَّه خَفيفٌ المَحْمِلِ طَـيِّبُ الرَّائِحَةِ‏)‏‏.‏

وفى ‏(‏سنن ابن ماجه‏)‏‏:‏ من حديث أُسامةَ رضى الله عنه، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏ألا مُشَمِّرٌ للجَنَّةِ، فإنَّ الجَنَّةَ لا خَطَرَ لها، هي وربِّ الكَعْبَةِ، نُورٌ يَتَلأْلأُ، وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ، وقَصْرٌ مَشِيدٌ، ونَهْرٌ مُطَّرِدٌ، وَثَمَرَةٌ نَضِيجَةٌ، وَزَوْجةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلةٌ، وحُلَلٌ كثيرةٌ في مَقَامٍ أَبَداً، في حَبْرَةٍ وَنَضْرَةٍ، في دُورٍ عالية سليمة بهيَّة‏)‏، قالوا‏:‏ نعمْ يا رسول الله، نحن المشمِّرون لها، قال‏:‏ ‏(‏قولوا‏:‏ إنْ شاء الله تعالى‏)‏، فقال القوم‏:‏ إنْ شاء الله‏.‏

الرَّيحان كلُّ نبت طيِّب الريح، فكلُّ أهل بلد يخصونه بشىء من ذلك، فأهلُ الغرب يخصونه بالآس، وهو الذي يعرِفُه العرب من الرَّيحان، وأهلُ العراق والشام يخصُّونه بالحَبَق‏.‏

فأما الآسُ، فمزاجُه بارد في الأُولى، يابس في الثانية، وهو مع ذلك مركَّب من قُوَى متضادة، والأكثرُ فيه الجوهرُ الأرضىُّ البارد، وفيه شىءٌ حار لطيف، وهو يُجفِّف تجفيفاً قوياً، وأجزاؤه متقاربةُ القُوَّة، وهى قوةٌ قابضة حابسة من داخل وخارج معاً‏.‏

وهو قاطع للإسهال الصفراوىّ، دافع للبخار الحار الرَّطب إذا شُمَّ، مفرِّح للقلب تفريحاً شديداً، وشمُّه مانع للوباء، وكذلك افتراشُه في البيت‏.‏

ويُبرىء الأورام الحادثة في الحالِبَيْن إذا وُضع عليها، وإذا دُقَّ ورقُه وهو غَضٌ وضُرِبَ بالخل، ووُضِعَ على الرأس، قطع الرُّعاف، وإذا سُحِقَ ورقه اليابس، وذُرَّ على القروح ذواتِ الرطوبة نفعها، ويُقوِّى الأعضاء الواهية إذا ضُمِّدَ به، وينفع داء الداحِس، وإذا ذُرَّ على البثورِ والقروحِ التي في اليدين والرِّجْلين، نفعها‏.‏

وإذا دُلِكَ به البدنُ قطع العَرَق، ونشَّفَ الرطوباتِ الفضلية، وأذهب نَتْنَ الإبط، وإذا جُلس في طبيخه، نفع من خراريج المَقْعدة والرَّحم، ومن استرخاء المفاصل، وإذا صُبَّ على كسور العِظام التي لم تَلتحِمْ، نفعها‏.‏

ويجلو قشورَ الرأس وقروحَه الرَّطبة، وبُثورَه، ويُمسِكُ الشعر المتساقط ويُسَوِّدُه، وإذا دُقَّ ورقُه، وصُبَّ عليه ماء يسير، وخُلِطَ به شىءٌ من زيت أو دُهن الورد، وضُمِّدَ به، وافق القُروح الرَّطبة والنملة والحُمْرة، والأورام الحادة، والشرى والبواسير‏.‏

وحَـبُّه نافع من نفْث الدم العارض في الصدر والرِّئة، دابغٌ للمَعِدَة وليس بضارٍّ للصدر ولا الرئة لجلاوته، وخاصيتُه النفعُ من اسْتِطلاق البطن مع السُّعال، وذلك نادر في الأدوية، وهو مُدِرٌ للبَوْل، نافع من لذع المثانة، وعضِّ الرُّتَيْلاء، ولسْع العقارب، والتخلل بعِرْقه مُضِر، فليُحذَر‏.‏

وأما الرَّيحانُ الفارسىُّ الذي يُسمَّى الحَبَق، فحارٌ في أحد القولين، ينفع شمُّه من الصُّداع الحار إذا رُشَّ عليه الماء، ويبرد، ويرطب بالعرض، وباردٌ في الآخر، وهل هو رطب أو يابس ‏؟‏ على قولين‏.‏ والصحيحُ‏:‏ أنَّ فيه من الطبائع الأربع، ويَجْلِبُ النوم، وبزره حابس للإسهال الصفراوىِّ، ومُسَكِّن للمغص، مُقَوٍّ للقلب، نافع للأمراض السوداويَّة‏.‏

رُمَّانٌ‏:‏

قال تعالى‏:‏‏{‏فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ‏}‏ ‏[‏الرحمن ‏:‏ 68‏]‏

ويُذكر عن ابن عباس موقوفاً ومرفوعاً‏:‏ ‏(‏ما مِن رُمَّانٍ من رُمَّانِكم هذا إلا وهو مُلقَّحٌ بحبَّةٍ من رُمَّانِ الجَنَّةِ‏)‏ والموقوفُ أشْبَهُ‏.‏ وذكر حَربٌ وغيره عن علىٍّ أنه قال‏:‏ ‏(‏كُلُوا الرُّمَّانَ بِشحْمِه، فإنه دباغُ المَعِدَةِ‏)‏‏.‏

حلوُ الرُّمَّان حار رطب، جيدٌ للمَعِدَة، مقوٍ لها بما فيه من قبْضٍ لطيف، نافع للحلق والصدر والرِّئة، جيدٌ للسُّعال، وماؤه مُلَيِّن للبطن، يَغْذى البدن غِذاءً فاضلاً يسيراً، سريعُ التحلُّل لرِّقَّته ولطافته، ويُولِّد حرارة يسيرة في المعدة وريحاً، ولذلك يُعين على الباه، ولا يصلح للمَحْمُومين، وله خاصيَّة عجيبة إذا أُكل بالخبز يمنعه من الفساد في المعدة‏.‏وحامضه بارد يابس، قابض لطيف، ينفع المَعِدَة الملتهبة، ويُدِرُّ البَوْل أكثرَ من غيره من الرُّمَّان، ويُسكِّنُ الصَّفْراء، ويقطع الإسهال، ويمنع القىء، ويُلطِّف الفضول، ويُطفىءُ حرارة الكبد، ويُقَوِّى الأعضاء، نافع من الخَفَقان الصَّفراوى، والآلام العارضة للقلب، وفم المعدة، ويُقوِّى المَعِدَة، ويدفع الفُضول عنها، ويُطفئُ المِرَّة الصفراء والدم

وإذا استُخرجَ ماؤه بشَحْمه، وطُبِخَ بيسير من العسل حتى يصير كالمرهم، واكتُحِلَ به، قطع الصفرة من العَيْن، ونقَّاها من الرطوبات الغليظة، وإذا لُطخ على اللِّثَة، نفع من الأَكلة العارضة لها، وإن استُخرج ماؤهما بشحمهما، أطلَق البطن، وأحْدَر الرُّطوباتِ العَفِنَةَ المُرِّية، ونفع مِن حُميَّات الغب المُتطاوِلة‏.‏

وأما الرُّمَّان المزُّ، فمتوسط طبعاً وفعلاً بين النوعين، وهذا أمْيَلُ إلى لطافة الحامض قليلاً، وحَبُّ الرُّمَّان مع العسل طِلاءٌ للداحِس والقروح الخبيثة، وأقماعُه للجراحات، قالوا‏:‏ ومَن ابتلع ثلاثةً من جُنبُذِ الرُّمَّان في كل سنة، أمِنَ مِنَ الرَّمد سنته كلَّها‏.‏

حرف الزاي

زَيْتٌ‏:‏

قال تعالى‏:‏ ‏{‏يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ‏}‏ ‏[‏النور ‏:‏ 35‏]‏

وفى الترمذىِّ وابن ماجه من حديث أبى هريرة رضى الله عنه، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏كُلُوا الزَّيتَ وادَّهِنُوا به، فإنَّه من شَجَرَةٍ مُبَارَكةٍ‏)‏‏.‏

وللبَيْهَقِى وابن ماجه أيضاً‏:‏ عن ابن عمر رضى الله عنه، قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ائْتَدِمُوا بالزَّيتِ، وادَّهِنُوا به، فإنه من شَجَرَةٍ مُبَارَكةٍ‏)‏‏.‏

الزَّيْتُ حار رطب في الأُولى، وغَلِط مَن قال‏:‏ يابسٌ، والزَّيت بحسب زيتونه، فالمعتصَرُ من النَّضيج أعدلُه وأجوده، ومن الفَجِّ فيه برودةٌ ويُبوسة، ومن الزيتون الأحمر متوسطٌ بين الزَّيتَيْن، ومن الأسود يُسخِّن ويُرطِّب باعتدال، وينفع من السُّموم، ويُطلق البطن، ويُخرج الدود، والعتيقُ منه أشد تسخيناً وتحليلاً، وما استُخْرِجَ منه بالماء، فهو أقلُّ حرارةً، وألطفُ وأبلغ في النفع، وجميعُ أصنافه مليِّنة للبَشْرة، وتُبطىءُ الشَيْب‏.‏

وماء الزَّيتون المالح يمنع من تنفُّط حرق النار، ويَشُد اللِّثَةَ، وورقهُ ينفع من الحُمرة، والنَّملة، والقُروح الوَسِخة، والشَّرَى، ويمنع العَرَق، ومنافعه أضعاف ما ذكرنا‏.‏

زُبْدٌ‏:‏

روى أبو داود في ‏(‏سننه‏)‏، عن ابنَىْ بُسْرٍ السُّلَميَّيْن رضى الله عنهما، قالا‏:‏ دخل علينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فقدَّمنا له زُبداً وتمراً، وكان يُحِبُّ الزُّبدَ والتَّمْرَ‏.‏

الزُّبد حار رطب، فيه منافعُ كثيرة، منها الإنضاجُ والتحليل، ويُبرىء الأورامَ التي تكون إلى جانب الأُذُنَيْن والحالِبَيْن، وأورام الفم، وسائر الأورام التي تَعرِضُ في أبدان النِّساء والصبيان إذا استُعمِلَ وحده، وإذا لُعِقَ منه، نفع في نفْث الدَّم الذي يكون مِن الرئة، وأنضَجَ الأَورام العارضة فيها

وهو مُلَيِّن للطبيعة والعصب والأورام الصلبة العارضة من المِرَّة السوداء والبلغم، نافعٌ من اليُبس العارض في البدن، وإذا طُلِىَ به على منابت أسنان الطفل، كان معيناً على نباتها وطلوعها، وهو نافع من السُّعال العارض من البرد واليبس، ويُذهب القُوباء والخشونة التي في البدن، ويُلَيِّن الطبيعة، ولكنه يُضْعف شهوة الطعام، ويذهب بوخامته الحلو، كالعسل والتمر، وفى جمعه صلى الله عليه وسلم بين التمر وبينه من الحكمة إصلاحُ كل منهما بالآخر‏.‏

زَبيبٌ‏:‏

رُوى فيه حديثان لا يَصِحَّان‏.‏ أحدهما‏:‏ ‏(‏نِعْمَ الطعامُ الزَّبِيبُ يُطيِّبُ النَّكْهَةَ، ويُذيبُ البلغم‏)‏‏.‏ والثانى‏:‏ ‏(‏نِعْمَ الطعامُ الزَّبيبُ يُذهبُ النَصَبَ، ويَشُدُّ العَصَبَ، ويُطفىء الغضَبَ، ويُصفِّى اللَّونَ، ويُطيِّبُ النَّكْهةَ‏)‏‏.‏ وهذا أيضاً لا يصح فيه شىء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وبعد‏.‏‏.‏ فأجودُ الزَّبيب ما كَبُر جسمه، وسَمِن شحمه ولحمه، ورَقَّ قشره، ونُزِع عَجَمُه، وصَغُرَ حَبُّه‏.‏ وجُرْم الزبيب حارٌ رطب في الأُولى، وحَـبُّه بارد يابس، وهو كالعنب المتَّخَذ منه‏:‏ الحلوُ منه حار، والحامضُ قابض بارد، والأبيضُ أشد قبضاً من غيره، وإذا أُكِلَ لحمُه، وافق قصبة الرِّئة، ونفع من السُّعال، ووجع الكُلَى، والمثَانة، ويُقَوِّى المَعِدَة، ويُلَيِّن البَطْن‏.‏

والحلو اللَّحمِ أكثرُ غِذَاءً مِن العنب، وأقلُّ غِذاءً من التِّين اليابس، وله قوةٌ منضِجة هاضمة قابضة محلِّلة باعتدال، وهو بالجملة يُقَوِّى المَعِدَة والكَبِد والطِّحال، نافعٌ من وجع الحلق والصدر والرِّئة والكُلَى والمثانة، وأعدلُه أن يؤكل بغير عَجَمه‏.‏

وهو يُغذِّى غِذاءً صالحاً، ولا يسدِّد كما يفعل التَّمَرُ، وإذا أُكل منه بعَجَمِه كان أكثر نفعاً للمَعِدَة والكَبِدْ والطِّحال، وإذا لُصِقَ لحمُه على الأظافير المتحركة أسرع قلعَها، والحلوُ منه وما لا عَجَمَ له نافعٌ لأصحاب الرُّطوبات والبلغم، وهو يُخصب الكَبِدَ، وينفعُها بخاصيَّته‏.‏

وفيه نفعٌ للحفظ‏:‏ قال الزُّهْرى‏:‏ مَن أحبَّ أن يحفظ الحديث، فليأكل الزبيبَ‏.‏ وكان المنصور يذكر عن جده عبد الله بن عباس‏:‏ عَجَمُه داء، ولحمُه دواء‏.‏

زَنْجَبِيلٌ‏:‏

قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاً‏}‏ ‏[‏الإنسان ‏:‏17‏]‏

وذكر أبو نُعيم في كتاب ‏(‏الطب النبوى‏)‏ من حديث أبى سعيد الخُدرىّ رضى الله عنه قال‏:‏ أهدى ملك الرُّوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جَرَّةَ زَنجبيلٍ، فأطعمَ كلَّ إنسان قطعة، وأطعمنى قطعة‏.‏

الزنجبيل حارٌ في الثانية، رطب في الأُولى، مُسْخِّن مُعين على هضم الطعام، مُلَيِّن للبطن تلييناً معتدلاً، نافع من سدد الكَبِدِ العارِضةِ عن البرد والرُّطوبة، ومن ظُلمة البصر الحادثة عن الرُّطوبة أكلاً واكتحالاً، مُعين على الجِمَاع، وهو مُحلِّل للرياح الغليظة الحادثة في الأمعاء والمَعِدَة‏.‏

وبالجملة‏.‏‏.‏ فهو صالح للكَبِد والمَعِدَة الباردتَى المزاج، وإذا أُخِذَ منه مع السكر وزنُ درهمين بالماء الحار، أسهلَ فُضولاً لَزِجَةً لُعابية، ويقع في المعجونات التي تُحلِّل البلغم وتُذيبه‏.‏

والمُزِّىُّ منه حارٌ يابس يهيج الجِمَاع، ويزيدُ في المَنِىِّ، وُيسخِّن المَعِدَة والكَبِد، ويُعين على الاستمراء، ويُنشِّف البلغم الغالب على البدن، ويزيد في الحفظ، ويُوافق برْدَ الكَبِد والمَعِدة، ويُزيل بلتها الحادثة عن أكل الفاكهة، ويُطيِّب النَّكْهة، ويُدفع به ضرر الأطعمة الغليظة الباردة‏.‏

حرف السين

سَـنا‏:‏

قد تقدَّم، وتقدَّم ‏(‏سَنُّوت‏)‏ أيضاً، وفيه سبعة أقوال‏:‏

أحدها‏:‏ أنه العسل‏.‏ الثانى‏:‏ أنه رُبُّ عُكَّة السَّمْن يخرج خططاً سوداءَ على السَّمْن‏.‏ الثالث‏:‏ أنه حَبٌ يُشبه الكَمُّون، وليس بكمون‏.‏ الرابع‏:‏ الكمونُ الكِرَمْانىُّ‏.‏ الخامس‏:‏ أنه الشِّبِتُّ‏.‏ السادس‏:‏ أنه التَّمْر‏.‏ السابع‏:‏ أنه الرَّازْيَانج‏.‏

سَفَرْجَلٌ‏:‏

روى ابن ماجه في ‏(‏سننه‏)‏‏:‏ من حديث إسماعيل ابن محمد الطلحى، عن نقيب بن حاجب، عن أبى سعيدِ، عن عبد الملك الزُّبيرى، عن طلحة بن عُبيد الله رضى الله عنه قال‏:‏ دخلتُ على النبىِّ صلى الله عليه وسلم وبيدِه سَفَرْجَلة، فقال‏:‏ ‏(‏دُونَكَها يا طَلْحَةُ، فإنها تُجِمُّ الفُؤادَ‏)‏‏.‏

ورواه النسائىٌّ من طريق آخرَ، وقال‏:‏ ‏(‏أتيتُ النبىَّ صلى الله عليه وسلم وهو في جماعةٍ من أصحابه، وبيده سفرجلة يُقلِّبُها، فلمَّا جلستُ إليه، دحَا بها إِلىّ ثم قال‏:‏ ‏(‏دُونَكَها أبا ذَرٍ؛ فإنَّها تَشُدُّ القَلْبَ، وتُطيِّبُ النَّفْسَ، وتَذهَبُ بِطَخَاءِ الصَّدْرِ‏)‏

وقد رُوى في السفرجل أحاديثُ أُخر، هذه أمثَلُها، ولا تصح‏.‏

والسفرجل بارد يابس، ويختلفُ في ذلك باختلاف طعمه، وكلُّه بارد قابض، جيد للمَعِدَة، والحلوُ منه أقلُّ برودة ويُبساً، وأمْيَلُ إلى الاعتدال، والحامِضُ أشدُّ قبضاً ويُبساً وبرودة، وكُلُّه يُسَكِّن العطشَ والقىء، ويُدِرُّ البَوْل، ويَعقِلُ الطبع، وينفع من قرحة الأمعاء، ونفْث الدَّم، والهيْضَة، وينفعُ من الغَثَيان، ويمنع من تصاعُدِ الأبخرة إذا استُعْمِلَ بعد الطعام، وحُرَاقةُ أغصانه وورقه المغسولة كالتوتياء في فعلها‏.‏

وهو قبل الطعام يقبض، وبعده يُليِّن الطبع، ويُسرع بانحدار الثفل، والإكثارُ منه مُضِرٌ بالعصب، مُولِّد للقُولَنْج، ويُطْفىء المِرَّة الصفراء المتولدة في المعدة‏.‏

وإن شُوِىَ كان أقلَّ لخشونته، وأخفَّ، وإذا قُوِّرَ وسطُه، ونُزِعَ حبُّه، وجُعِلَ فيه العسلُ، وَطُيِّنَ جُرمُه بالعجين، وأُودِع الرماد الحارَّ، نفع نفعاً حسناً‏.‏

وأجودُ ما أُكِلَ مشوياً أو مطبوخاً بالعسل، وحَـبُّه ينفع من خشونة الحلق، وقصبة الرِّئة، وكثير من الأمراض، ودُهنه يمنع العَرَق، ويُقَوِّى المَعِدَة، والمربَّى منه يُقَوِّى المَعِدَة والكَبِد، ويشد القلب، ويُطيِّب النَّفَس‏.‏

ومعنى تُجِمُّ الفؤاد‏:‏ تُريحه‏.‏ وقيل‏:‏ تفتحُه وتوسعه، مِن جمام الماءِ، وهو اتساعه وكثرته، والطَّخاء للقلبُ مِثلُ الغَيْم على السماء‏.‏ قال أبو عُبيدٍ‏:‏ الطَّخاء ثِقَلٌ وغَشْى، تقول‏:‏ ما في السماء طخاءٌ، أى‏:‏ سحابٌ وظُلمة‏.‏

سِوَاكٌ‏:‏

في ‏(‏الصحيحين‏)‏ عنه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لَوْلا أن أَشُقَّ على أُمَّتى لأَمَرْتُهُمْ بالسِّواكِ عند كُلِّ صلاةٍ‏)‏‏.‏

وفيهما‏:‏ أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قامَ من اللَّيل يَشُوصُ فَاهُ بالسِّوَاكِ‏.‏

وفى ‏(‏صحيح البخارى‏)‏ تعليقاً عنه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِِ، مَرْضَاةٌ للرَّبِّ‏)‏‏.‏

وفى ‏(‏صحيح مسلم‏)‏‏:‏ أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا دَخَلَ بيته، بدأ بِالسِّوَاكِ‏.‏

والأحاديثُ فيه كثيرة، وصَحَّ عنه من حديث أنه استاك عند موته بسواك عبد الرحمن بن أبى بكر، وصَحَّ عنه أنه قال‏:‏ ‏(‏أكْثَرْتُ عَلَيْكُم في السِّوَاكِ‏)‏‏.‏

وأصلح ما اتُخِذَ السِّواكُ من خشب الأراك ونحوه، ولا ينبغى أن يُؤخذ من شجرة مجهولة، فربما كانت سُماً، وينبغى القصدُ في استعماله، فإن بالغ فيه، فربما أذهب طَلاَوةَ الأسنان وصقالتها، وهيأَها لقبولِ الأبخرة المتصاعدة من المَعِدَة والأوساخ، ومتى استُعمل باعتدال، جلا الأسنان، وقوَّى العمود، وأطلق اللِّسَان، ومنع الحَفَر، وطيَّب النَّكهة، ونقَّى الدِّمَاغ، وشَهَّى الطَّعام‏.‏

وأجود ما استُعمل مبلولاً بماء الورد، ومن أنفعه أُصولُ الجَوْز‏.‏ قال صاحب ‏(‏التيسير‏)‏‏:‏ ‏(‏زعموا أنه إذا استاك به المستاك كلَّ خامسٍ من الأيام، نقَّى الرأس، وصفَّى الحواسَّ، وأحَدَّ الذهنَ‏)‏

وفى السِّوَاك عدة منافع‏:‏ يُطيِّب الفم، ويشد اللِّثَةَ، ويقطع البلغم، ويجلو البصرَ، ويُذهب بالحَفَر، ويُصحُّ المَعِدَة، ويُصفِّى الصوت، ويُعين على هضم الطعام، ويُسَهِّل مجارى الكلام، ويُنَشِّطُ للقراءة، والذِّكر والصلاة، ويطرُد النوم، ويُرضى الرَّبَّ، ويُعْجِبُ الملائكة، ويُكثر الحسنات‏.‏

ويُستحَبُّ كلَّ وقت، ويتأكد عند الصلاة والوضوء، والانتباهِ من النوم، وتغيير رائحة الفم، ويُستَحب للمفطر والصائم في كل وقت لعموم الأحاديث فيه، ولحاجة الصائم إليه، ولأنه مرضاةٌ للرَّبِّ، ومرضاتُه مطلوبة في الصوم أشدَّ من طلبِها في الفِطر، ولأنه مَطْهَرَةٌ للفم، والطهور للصائم من أفضل أعماله‏.‏

وفى ‏(‏السنن‏)‏‏:‏ عن عامر بن ربيعة رضى الله عنه، قال‏:‏ رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ما لا أُحْصى يَستاكُ، وهو صائمٌ‏.‏

وقال البخارىُّ‏:‏ قال ابن عمرَ‏:‏ يستاكُ أول النَّهار وآخره‏.‏

وأجمع الناسُ على أنَّ الصائم يتمضمض وجوباً واستحباباً، والمضمضةُ أبلغُ مِنَ السِّواك، وليس لله غرضٌ في التقرُّب إليه بالرائحة الكريهة، ولا هي من جنس ما شُرِعَ التعبُّدُ به، وإنما ذكر طِيب الخُلوف عند الله يوم القيامة حثّاً منه على الصوم؛ لا حثاً على إبقاء الرائحة، بل الصائمُ أحوجُ إلى السِّوَاك من المْفطرِ‏.‏

وأيضاً فإنَّ رضوان الله أكبرُ من استطابتِه لخلوف فم الصائم‏.‏

وأيضاً فإنَّ محبَّته للسِّوَاك أعظمُ من محبته لبقاء خُلوف فم الصائم‏.‏

وأيضاً فإنَّ السِّوَاك لا يمنعُ طيبَ الخُلُوفِ الذي يُزيله السِّوَاكُ عند الله يوم القيامة، بل يأتى الصائمُ يوم القيامة، وخُلوفُ فمِه أطيبُ من المسك علامةً على صيامه، ولو أزاله بالسِّوَاك، كما أنَّ الجريحَ يأتى يوم القيامة، ولونُ دم جُرحه لونُ الدم، وريحُه ريحُ المسك، وهو مأمور بإزالته في الدنيا‏.‏

وأيضاً فإنَّ الخُلوف لا يزولُ بالسِّوَاك، فإنَّ سبَبَه قائم، وهو خُلو المَعِدَة عن الطعام، وإنما يزولُ أثره، وهو المنعقِدُ على الأسنان واللِّثَة‏.‏

وأيضاً فإنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم علَّم أُمَّته ما يُسْتَحب لهم في الصيام، وما يُكره لهم، ولم يجعلِ السِّوَاكَ من القسم المكروه، وهو يعلم أنهم يفعلونه، وقد حضَّهم عليه بأبلغ ألفاظِ العموم والشمول، وهم يُشاهدونه يَستاك وهو صائم مراراً كثيرة تَفُوتُ الإحصاء، ويعلم أنهم يقتدون به، ولم يقل لهم يوماً من الدهر‏:‏ لا تستاكوا بعد الزوال، وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع‏.‏‏.‏ والله أعلم‏.‏

سَـمْنٌ‏:‏

روى محمـد بن جرير الطبرى بإســناده، من حديث صُهيب يرفعُه ‏(‏عليكم بألبان البقَرِ، فإنها شفاءٌ، وسَمْنُها دَواءٌ، ولُحومُها داء‏)‏ رواه عن أحمد بن الحسن الترمذى، حدَّثنا محمد ابن موسى النسائى، حدَّثنا دَفَّاع ابن دَغْفَلٍ السَّـدوسى، عن عبد الحميد بن صَيفى بن صُهيب، عن أبيه، عن جده، ولا يثبت ما في هذا الإسناد‏.‏

والسمن حار رطب في الأُولى، وفيه جِلاء يسير، ولطافة وتفشية الأورام الحادثة مِن الأبدان الناعمة، وهو أقوى من الزُّبد في الإنضاج والتليين، وذكر ‏(‏جالينوس‏)‏‏:‏ أنه أبرأ به الأورامَ الحادثة في الأُذن، وفى الأرنبة، وإذا دُلِكَ به موضعُ الأسنان، نبتت سريعاً، وإذا خُلِطَ مع عسل ولَوْزٍ مُرٍّ، جلا ما في الصدر والرئة، والكَيموساتِ الغليظة اللَّزِجة، إلا أنه ضار بالمَعِدَة، سِيَّما إذا كان مزاجُ صاحبها بلغمياً‏.‏

وأما سمن البقر والمَعِزِ، فإنه إذا شُرِبَ مع العسل نفع من شرب السُّمِّ القاتل، ومِن لدغ الحيَّات والعقارب، وفى كتاب ابن السُّنى‏:‏ عن على بن أبى طالب رضى الله عنه قال‏:‏ لم يَسْتشفِ الناسُ بشىءٍ أفضل مِنَ السمن‏.‏

سَمَكٌ‏:‏

روى الإمام أحمد بن حنبل، وابن ماجه في ‏(‏سننه‏)‏‏:‏ من حديث عبد الله بن عمر، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏أُحِلَّتْ لنا مَيْتَتانِ ودَمَانِ‏:‏ السَّمَكُ والجَرَادُ، والكَبِدُ والطِّحَالُ‏)‏‏.‏

أصنافُ السَّمَك كثيرة، وأجودُه ما لذَّ طعمه، وطابَ ريحُه، وتوسَّط مقدارُه، وكان رقيقَ القشر، ولم يكن صلبَ اللَّحم ولا يابسه، وكان في ماءٍ عذب جارٍ على الحصباء، ويتغذَّى بالنبات لا الأقذار، وأصلح أماكنه ما كان في نهر جيد الماء، وكان يأوِى إلى الأماكن الصخرية، ثم الرملية، والمياه الجارية العذبة التي لا قذرَ فيها، ولا حمأة، الكثيرة الاضطراب والتموج، المكشوفة للشمس والرِّياح‏.‏

والسَّمَك البحرى فاضل، محمود، لطيف، والطرى منه بارد رطب، عَسِر الانهضام، يُولِّد بلغماً كثيراً، إلا البحرىَ وما جرى مجراه، فإنه يُولِّد خلطاً محموداً، وهو يُخْصِبُ البدن، ويزيد في المَنِىِّ، ويُصلح الأمزجة الحارة‏.‏

وأما المالح، فأجودُه ما كان قريبَ العهد بالتملُّح، وهو حار يابس، وكلما تقادم عهدُه ازداد حرُّه ويبسه، والسِّلور منه كثير اللزوجة، ويسمى الجِرِّىَّ، واليهودُ لا تأكله‏.‏ وإذا أُكِلَ طريٍّا، كان مليِّناً للبطن، وإذا مُلِّحَ وعتق وأُكِلَ، صفَّى قصبة الرئة، وجوَّد الصوتَ، وإذا دُقَّ وَوُضِعَ مِن خارجٍ، أخرج السَّلَى والفضول من عُمق البدن من طريق أنَّ له قوة جاذبة‏.‏

وماء ملح الجِرِّىِّ المالح إذا جلسَ فيه مَن كانت به قرحة الأمعاء في ابتداء العِلَّة، وافقه بجذبه الموادَّ إلى ظاهر البدن، وإذا احتُقِنَ به، أبرأ من عِرْق النَّسَا‏.‏

وأجودُ ما في السَّمَك ما قرُب من مؤخرها، والطرىُّ السمين منه يُخصب البدن لحمُه ووَدَكُه‏.‏

وفى ‏(‏الصحيحين‏)‏‏:‏ من حديث جابر بن عبد الله رضى الله عنه قال‏:‏ ‏(‏بعثنا النبىُّ صلى الله عليه وسلم في ثلاثمائة راكب، وأميرُنا أبو عُبيدة بن الجرَّاح، فأتينا الساحِلَ، فأصابنا جوعٌ شديد، حتى أكلنا الخَبَطَ، فألقى لنا البحرُ حوتاً يقال لها‏:‏ عنبر، فأكلنا منه نِصفَ شهرٍ، وائتدمنا بوَدَكِه حتى ثابت أجسامُنا، فأخذ أبو عبيدة ضلعاً من أضلاعه، وحمل رَجُلاً على بعيره، ونصبه، فمرَّ تحته‏)‏‏.‏

سِلْقٌ‏:‏

روى الترمذىُّ وأبو داود، عن أُمِّ المُنذِر، قالت‏:‏ دخل علىَّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ومعه على رضى الله عنه، ولنا دَوَالٍ معلَّقةٌ، قالت

‏:‏ فجعل رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يأكُلُ وعلىٌ معه يأكُلُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مَهْ يا علىُّ فإنَّكَ ناقِهٌ‏)‏، قالت‏:‏ فجعلتُ لهم سِلْقاً وشعيراً، فقال النبىُّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏يا علىُّ؛ فأصِبْ من هذا، فإنه أوفَقُ لَكَ‏)‏‏.‏ قال الترمذىُّ‏:‏ حديثٌ حسن غريب‏.‏

السِّلق حار يابس في الأُولى، وقيل‏:‏ رطب فيها، وقيل‏:‏ مُرَكَّبٌ منهما، وفيه برودةٌ ملطِّفة، وتحليلٌ، وتفتيحٌ‏.‏ وفى الأسود منه قبضٌ ونفعٌ من داء الثعلب، والكَلَف، والحَزَارِ، والثآليل إذا طُلِىَ بمائه، ويقتل القمل، ويُطلَى به القُوَبَاء مع العسل، ويفتح سُدَدَ الكَبِدِ والطِّحال‏.‏

وأسودُه يَعقِلُ البطن، ولا سِيَّما مع العدس، وهما رديئان، والأبيضُ‏:‏ يُلَيِّن مع العدس، ويُحْقَن بمائه للإسهال، وينفع من القُولَنْج مع المَرِىِّ والتَّوَابِل

وهو قليل الغذاء، ردىء الكَيْمُوس، يحرق الدمَ، ويُصلحه الخل والخَرْدَل، والإكثار منه يُولِّد القبض والنفخ‏.‏

حرف الشين

شُونيزٌ‏:‏

هو‏:‏ الحبَّة السوداء، وقد تقدَّم في حرف الحاء‏.‏

شُبْرُمٌ‏:‏

روى الترمذىُّ وابن ماجه في ‏(‏سننهما‏)‏‏:‏ من حديث أسماء بنت عُمَيْس، قالت‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏بماذا كُنْتِ تَسْتَمْشِينَ‏)‏ ‏؟‏ قالت‏:‏ بالشُّبْرُمِ‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏حارٌ جارٌ‏)‏‏.‏

الشُّبْرُمُ شجر صغير وكبير، كقامة الرجل وأرجح، له قُضبانٌ حُمر ملمَّعة ببياض، وفى رؤوس قضبانه جُمَّةٌ مِن وَرق، وله نَوْرٌ صِغار أصفرُ إلى البياض، يسقط ويخلفه مراودُ صِغار فيها حَبٌ صغير مثل البُطْم، في قدره، أحمرُ اللَّون، ولها عروقٌ عليها قُشورٌ حُمر، والمستعمَل منه قِشْرُ عرُوقه، ولبنُ قضبانه‏.‏

وهو حارٌ يابس في الدرجة الرابعة، ويُسَهِّلُ السوداء، والكَيْمُوسات الغليظة، والماءَ الأصفر، والبلغم، مُكْرِبٌ، مُغَثٍّ، والإكثارُ منه يقتل، وينبغى إذا استُعمِلَ أن يُنقَعَ في اللَّبن الحليب يوماً وليلة، ويُغيَّرَ عليه اللَّبنُ في اليوم مرتين أو ثلاثاً، ويُخْرَج، ويُجفَّفُ في الظل، ويُخلَطُ معه الورود والكَثِيراءُ، ويُشرب بماء العسل، أو عصير العِنَب، والشَّرْبَةُ مِنه ما بيْنَ أربع دوانِق إلى دانِقَيْن على حسب القوة، قال حُنَيْن‏:‏ أمَّا لبنُ الشُّبْرُم، فلا خيرَ فيه، ولا أرى شُربه ألبتة، فقد قَتَلَ به أطباءُ الطُّرقاتِ كثيراً من الناس

شَعِيرٌ‏:‏

روى ابن ماجه‏:‏ من حديث عائشة، قالت‏:‏ كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ أحداً من أهْلِهِ الوَعْكُ، أمَرَ بالحَسَاءِ مِنَ الشَّعيرِ، فصُنِعَ، ثم أمرهم فَحَسَوْا مِنْهُ، ثم يقول‏:‏ ‏(‏إنَّه ليَرْتُو فُؤادَ الحزينِ ويَسْرُو فُؤادَ السَّقِيم كما تَسْرُو إحداكُنَّ الوَسَخَ بالماءِ عن وَجْهِهَا‏)‏‏.‏

ومعنى ‏(‏يرتوه‏)‏‏:‏ يشُدُّه ويُقوِّيه‏.‏ و ‏(‏يَسرو‏)‏‏:‏ يكشِفُ ويُزِيلُ‏.‏

وقد تقدَّم أنَّ هذا هو ماء الشعير المغلى، وهو أكثرُ غِذاءً من سويقه، وهو نافع للسُّعال، وخشونةِ الحلق، صالح لقَمْع حِدَّة الفُضول، مُدِرٌ للبَوْلِ، جَلاء لما في المَعِدَة، قاطِعٌ للعطش، مُطْفِىءٌ للحرارة، وفيه قوة يجلو بها ويُلَطِّف ويُحَلِّل‏.‏

وصفته‏:‏ أن يُؤخذ مِن الشعير الجيدِ المرضوضِ مقدارٌ، ومن الماء الصافى العذبِ خمسةُ أمثاله، ويُلقى في قِدْر نظيف، ويُطبخ بنار معتدلة إلى أن يَبقى منه خُمُساه، ويُصفَّى، ويُستعملَ منه مقدار الحاجة مُحَلاً‏.‏

شِــوَاءٌ‏:‏

قال الله تعالى في ضيافة خليـله إبراهيم عليه السلام لأضيافه‏:‏ ‏{‏فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ‏}‏ ‏[‏هود ‏:‏ 79‏]‏ و‏(‏الحَنِيذ‏)‏‏:‏ المشوى على الرَّضْفِ، وهى الحجارةُ المحماة‏.‏

وفى الترمذى‏:‏ عن أُمِّ سلمة رضى الله عنها، ‏(‏أنها قرَّبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جنباً مشوياً، فأكل منه ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ‏)‏‏.‏ قال الترمذى‏:‏ حديثٌ صحيح‏.‏

وفيه أيضاً‏:‏ عن عبد الله بن الحارث، قال‏:‏ أكلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم شِواءً في المسجد‏.‏وفيه أيضاً‏:‏ عن المغيرَة بن شُعبة قال‏:‏ ‏(‏ضِفتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فأمر بجنبٍ، فشُوِىَ، ثم أخذ الشِّفْرَة، فجعل يَحُزُّ لى بها منه، قال‏:‏ فجاء بلال يُؤذِّن للصلاة، فألقى الشِّفْرَة فقال‏:‏ ‏(‏مَا لَه تَرِبَتْ يَدَاهُ‏)‏‏.‏

أنفع الشِواء شِواء الضأن الحَوْلىِّ، ثم العِجلِ اللَّطيف السمين، وهو حارٌ رطب إلى اليبوسة، كثيرُ التوليد للسَّوداء، وهو من أغذية الأقوياء والأصحاء والمرتاضين، والمطبوخُ أنفع وأخف على المعدة، وأرطبُ منه، ومن المُطجَّن‏.‏

وأردؤه المشوى في الشمس، والمشوى على الجمر خير من المشوى باللَّهب، وهو الحَنِيذ‏.‏

شَحْمٌ‏:‏

ثبت في ‏(‏المسند‏)‏ عن أنس‏(‏ أنَّ يهودياً أضاف رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقدَّم له خُبزَ شَعِيرِ، وإهالَةً سَنِخَةً‏)‏، و‏(‏الإهالة‏)‏‏:‏ الشَّحْم المذاب، والألْية‏.‏ و‏(‏السَّنِخَةُ‏)‏‏:‏ المتغيرة‏.‏

وثبت في ‏(‏الصحيح‏)‏‏:‏ عن عبد الله بن مُغَفَّل، قال‏:‏‏(‏ دُلِّى جِرَابٌ من شَحْمٍ يَوْمَ خَيْبَرَ، فالتزمتُه وقلتُ‏:‏ واللهِ لا أُعطى أحداً منه شيئاً، فالتفتُّ، فإذا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَضْحَكُ، ولم يقل شيئاً‏)‏‏.‏

أجود الشحمِ ما كان مِن حيوان مكتمل، وهو حارٌ رطب، وهو أقلُّ رطوبةً من السمن، ولهذا لو أُذيب الشحمُ والسمن كان الشَحمُ أسرعَ جموداً‏.‏

وهو ينفع من خشونة الحلق، ويُرخى ويعفن، ويُدفع ضرره باللَّيْمون المملُوح، والزنجبيل، وشحمُ المَعز أقبضُ الشحوم، وشحم التُّيوس أشدُّ تحليلاً، وينفع مِن قروح الأمعاء، وشحمُ العَنز أقوى في ذلك، ويُحتقَن به للسَّحَج والزَّحِير‏.‏

حرف الصاد

صَلاَةٌ‏:‏

قال اللهُ تعالى‏:‏ ‏{‏وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ‏}‏ ‏[‏البقرة ‏:‏ 45‏]‏

وقال‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ‏}‏ ‏[‏البقرة ‏:‏ 44‏]‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى‏}‏ ‏[‏طه ‏:‏ 132‏]‏

وفى ‏(‏السنن‏)‏‏:‏ ‏(‏كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حَزَبَهُ أمْرٌ، فَزِعَ إلى الصَّلاةِ‏)‏‏.‏

وقد تقدَّم ذكر الاستشفاء بالصلاة من عامة الأوجاع قبل استحكامها‏.‏

والصلاة مجلبةٌ للرزق، حافظة للصحة، دافعة للأذى، مطردة للأَدواء، مقوِّية للقلب، مبيِّضة للوجه، مُفْرِحةٌ للنفس، مُذهبة للكسل، منشِّطةٌ للجوارح، ممدَّة للقُوَى، شارحِة للصَّدر، مغذِّية للروح، مُنوِّرة للقلب، حافِظةٌ للنعمة، دافعة للنقمة، جالِبة للبركة، مُبعِدة من الشيطان، مُقرِّبة من الرحمن‏.‏

وبالجملة‏.‏‏.‏ فلها تأثير عجيب في حفظ صحة البدن والقلب، وقواهما، ودفع المواد الرديئة عنهما، وما ابتُلى رجلان بعاهةٍ أو داءٍ أو مِحنةٍ أو بَليةٍ إلا كان حظُّ المُصَلِّى منهما أقلَّ، وعاقبتُه أسلم‏.‏

وللصلاة تأثيرٌ عجيب في دفع شُرور الدنيا، ولا سِيَّما إذا أُعطيت حقها من التكميل ظاهراً وباطناً، فما استُدْفِعَتْ شرورُ الدُّنيا والآخرة، ولا استُجْلِبَت مصالِحُهُمَا بمثل الصلاة، وسِرُّ ذلك أنَّ الصلاة صِلةٌ باللهِ عَزَّ وجَلَّ، وعلى قدر صِلَةِ العبد بربه عَزَّ وجَلَّ تُفتح عليه من الخيرات أبوابَها، وتُقطعُ عنه من الشرور أسبابَها، وتُفِيضُ عليه موادَ التوفيق مِن ربه عَزَّ وجَلَّ، والعافية والصحة، والغنيمة والغِنى، والراحة والنعيم، والأفراح والمسرَّات، كلها محضرةٌ لديه، ومسارِعةٌ إليه‏.‏

صَبْرٌ‏:‏

‏(‏الصبر نِصفُ الإيمان‏)‏، فإنَّهُ ماهِيَّة مُركَّبة من صبر وشكر، كما قال بعضُ السَّلَف‏:‏ الإيمانُ نصفان‏:‏ نِصفٌ صَبْرٌ، ونِصفٌ شكرٌ، قال تعالى‏:‏ ‏{‏إنَّ في ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ‏}‏ ‏[‏إبراهيم ‏:‏ 5‏]‏‏.‏

والصَّبْرُ من الإيمان بمنزلة الرأسِ مِنَ الجَسَدِ، وهو ثلاثةُ أنواع‏:‏ صَبْرٌ على فرائض الله، فلا يُضَيِّعُها، وصبرٌ عن مَحارمه، فَلا يرتكِبُها، وصبرٌ على أقضيته وأقداره، فلا يتسخَّطُها، ومَن استكمَلَ هذهِ المراتبَ الثلاث، استكمَل الصبرَ‏.‏ ولذةُ الدنيا والآخرة ونعيمها، والفوزُ والظفرُ فيهما، لا يَصِل إليه أحدٌ إلا على جِسْر الصبر، كما لا يَصِلُ أحد إلى الجنَّةِ إلا على الصِّراطِ، قال عمرُ ابن الخطاب رضى الله عنه‏:‏ خيرُ عيشٍ أدركناه بالصَّبْرِ‏.‏

وإذا تأملتَ مراتِبَ الكمال المكتسَب في العالَم، رأيتَها كلها مَنُوطةً بالصَّبْرِ، وإذا تأملتَ النُّقصان الذي يُذَمُّ صاحبُه عليه، ويدخُل تحتَ قُدرته، رأيتَه كله مِن عدمِ الصبر، فالشجاعةُ والعِفَّةُ، والجودُ والإيثارُ، كلُّه صبرُ ساعة‏.‏

فالصَّبْرُ طِلَّسْمٌ عَلَى كَنْزِ الْعُلَى مَنْ حَلَّ ذَا الطِّلَّسْمَ فَازَ بِكَنْزِهِ

وأكثرُ أسقام البدن والقلب، إنما تنشأ من عدم الصبر، فما حُفِظَتْ صِحَةُ القلوب والأبدان والأرواح بمثل الصَّبْر، فهو الفاروق الأكبر، والتِّرياق الأعظم، ولو لم يكن فيه إلا معيةُ اللهِ مع أهله، فإنَّ الله مع الصابرين ومحبتُه لهم، فإنَّ الله يُحب الصابرين، ونصرُهُ لأهله، فإنَّ النصرَ مع الصَّبْر، وإنه خير لأهله، ‏{‏وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ‏}‏ ‏[‏النحل ‏:‏ 126‏]‏، وإنه سببُ الفلاح‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ‏}‏ ‏[‏آل عمران ‏:‏ 200‏]‏

صَبِرٌ‏:‏

روى أبو داود في كِتاب ‏(‏المَرَاسيل‏)‏ من حديث قيس ابن رافع القَيْسىِّ، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏ماذا في الأَمَرَّيْن من الشِّفَاءِ ‏؟‏ الصَّبِرُ والثُّفَّاءُ‏)‏‏.‏

وفى ‏(‏السنن‏)‏ لأبى داود‏:‏ من حديث أُمِّ سَلَمَة، قالت‏:‏ دخلَ علىَّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، حين تُوفِّىَ أبو سلمةَ، وقد جعلتُ علىَّ صَبِرَاً، فقال‏:‏ ‏(‏ماذا يا أُمَّ سلمةَ‏)‏ ‏؟‏ فقلت‏:‏ إنما هو صَبِرٌ يا رسولَ اللهِ، ليس فيه طيِبٌ، قال‏:‏ ‏(‏إنَّهُ يَشُبُّ الوَجْهَ، فَلا تجعليه إلا بالليل‏)‏ ونَهى عنه بالنهار‏.‏

الصَّبِرُ كثيرُ المنافع، لا سِيَّما الهندىَّ منه، يُنقِّى الفُضول الصفراوية التي في الدماغ وأعصابِ البصر، وإذا طُلِىَ على الجبهة والصُّدغ بدُهن الورد، نفع من الصُّدَاع، وينفع من قُروح الأنف والفمِ، ويُسهل السَّوداء والمالِيخُولْيا‏.‏

والصَّبِرُ الفارسى يُذكى العقل، ويُمِدُّ الفؤاد، ويُنقِّى الفُضُول الصفراويةَ والبلغميَّةَ مِن المَعِدَة إذا شُرِبَ منه مِلْعقتان بماء، ويردُّ الشهوةَ الباطلة والفاسدة، وإذا شُرِب في البرد، خِيف أن يُسهل دماً

صَوْمٌ‏:‏

الصوم جُنَّةٌ من أدواء الروح والقلب والبدن، منافِعُه تفوت الإحصاء، وله تأثيرٌ عجيب في حفظ الصحة، وإذابةِ الفضلاتِ، وحبْسِ النفسِ عن تناول مؤذياتها، ولا سِيَّما إذا كان باعتدالٍ وقصدٍ في أفضلِ أوقاته شرعاً، وحاجَةُ البدنِ إليه طبعاً‏.‏

ثم إنَّ فيه من إراحة القُوَى والأعضاء ما يحفظُ عليها قُواها، وفيه خاصيةٌ تقتضى إيثارَه، وهى تفريحُه للقلب عاجلاً وآجلاً، وهو أنفعُ شىءٍ لأصحاب الأمزجة البارِدةِ والرطبة، وله تأثيرٌ عظيم في حفظ صحتهم‏.‏

وهو يدخلُ في الأدوية الروحانية والطبيعية، وإذا راعى الصائمُ فيه ما ينبغى مراعاتُه طبعاً وشرعاً، عظُمَ انتفاعُ قلبه وبدنه به، وحبس عنه الموادَّ الغريبةَ الفاسدةَ التي هو مستعدٌ لها، وأزال الموادَّ الرديئة الحاصلة بحسب كماله ونقصانه، ويحفظ الصائمَ مما ينبغى أن يُتحفَّظَ منه، ويُعينه على قيامه بمقصود الصوم وسرّه وعلته الغائية، فإن القصدَ منه أمر آخر وراءَ تركِ الطعام والشراب، وباعتبار ذلك الأمر اختُصَّ من بين الأعمال بأنه لله سبحانه، ولـمَّا كان وقايةً وجُنَّةً بين العبد وبين ما يؤذى قلبه وبدنه عاجلاً وآجلاً، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ‏}‏ ‏[‏البقرة ‏:‏ 188‏]‏‏.‏ فأحدُ مقصودَى الصيام الجُنَّةُ والوِقاية، وهى حِمية عظيمةُ النفع، والمقصودُ الآخر‏:‏ اجتماعُ القلب والهم على الله تعالى، وتوفيرُ قُوَى النفس على محابِّه وطاعته، وقد تقدَّم الكلامُ في بعض أسرار الصوم عند ذكر هَدْيه صلى الله عليه وسلم فيه‏.‏

حرف الضاد

ضَـبٌ‏:‏

ثبت في ‏(‏الصحيحين‏)‏ من حــديث ابن عباس، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سُئل عنه لمَّا قُدِّم إليه، وامتنعَ من أكله‏:‏ أحرامٌ هو ‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏لا، ولكنْ لم يكن بأرضِ قَوْمِى، فأجِدُنِى أَعَافُهُ، وأُكِلَ بين يديه وعلى مائدته وهو يَنْظُرُ‏)‏

وفى ‏(‏الصحيحين‏)‏ من حديث ابن عمر رضى الله عنهما، عنه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏

‏(‏لا أُحِلُّه ولا أُحَرِّمُه‏)‏‏.‏

وهو حارٌ يابس، يُقوِّى شهوة الجِماع، وإذا دُقَّ، ووُضِعَ على موضع الشَّوْكة اجتذَبها‏.‏

ضِفْدِعٌ‏:‏

قال الإمام أحمدُ‏:‏ الضِّفدَعُ لا يَحِل في الدواء، نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن قتلها، يريدُ الحديثَ الذي رواهُ في ‏(‏مسنده‏)‏ من حديث عثمان بن عبد الرحمن رضى الله عنه‏(‏ أنَّ طبيباً ذكر ضِفدعاً في دواء عندَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاه عن قتلها‏)‏‏.‏

قال صاحب القانون‏:‏ مَن أكل مِن دم الضِّفْدَع أو جُرمه، ورِم بدنُه، وكَمَدَ لونُه، وقذف المَنِىَّ حتى يموت، ولذلك ترك الأطباءُ استعماله خوفاً من ضرره‏.‏

وهى نوعان‏:‏ مائيَّة وتُرابيَّة، والترابية يقتل أكلُها‏.‏

حرف الطاء

طِيبٌ‏:‏

ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏حُبِّبَ إلىَّ من دُنياكُم‏:‏ النِّساءُ والطِّيبُ، وجُعلتْ قُرَّةُ عَيْنى في الصَّلاة‏)‏‏.‏

وكان صلى الله عليه وسلم يُكثِرُ التطيُّبَ، وتشتدُّ عليه الرائحةُ الكريهة، وتَشُقُّ عليه‏.‏

والطِّيبُ غِذَاءُ الروح التي هي مطيةُ القُوَى، والقُوَى تتضاعف وتزيدُ بالطِّيبِ، كما تزيدُ بالغذاء والشراب، والدَّعَةِ والسرورِ، ومعاشرةِ الأحبةِ، وحدوثِ الأُمور المحبوبة، وغَيبةِ مَن تَسُرُّ غَيبتُه، ويَثقُلُ على الروح مشاهدتُه، كالثُّقلاء والبُغَضاء، فإنَّ مُعاشرتهم تُوهِنُ القُوَى، وتَجلب الهم والغم، وهى للروح بمنزلة الحُمَّى للبدن، وبمنزلة الرائحة الكريهة، ولهذا كان مما حبَّبَ الله سبحانَه الصحابةَ بنهيُهم عن التخلُّق بهذا الخُلُق في معاشرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لتأذِّيه بذلك، فقال‏:‏ ‏{‏إذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُواْ فَإذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُواْ وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إنَّ ذلِكُمْ كَانَ يُؤْذِى النَّبِىَّ فَيَسْـتَحْىِ مِنْكُمْ وَاللهُ لاَ يَسْـتَحْىِ مِنَ الْحَقِّ‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 52-53‏]‏

والمقصود أنَّ الطِّيب كان من أحبِّ الأشياء إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وله تأثيرٌ في حفظ الصحة، ودفع كثير من الآلام وأسبابها، بسبب قوة الطبيعة به‏.‏

طِينٌ‏:‏

ورد في أحاديث موضوعة لا يَصِحُّ منها شىء مثل حديث‏:‏ ‏(‏مَنْ أكل الطِّينَ، فقد أعانَ على قتلِ نفسِه‏)‏، ومثلُ حديث‏:‏ ‏(‏يا حُمَيْراء؛ لا تأكلى الطِّينَ فإنه يَعصِمُ البَطْنَ، ويُصَفِّرُ اللَّونَ، ويُذهِبُ بَهاءَ الوَجْهِ‏)‏‏.‏

وكلُّ حديث في الطين فإنه لا يصح، ولا أصلَ له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أنه ردىءٌ مؤذٍ، يسُدّ مجارى العروق، وهو بارد يابس، قوىُّ التجفيف، ويمنع استطلاقَ البطن، ويُوجب نفْثَ الدَّم وقروحَ الفم‏.‏

طَلْحٌ‏:‏

قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَطَلْحٍ مَّنضْوُدٍ‏}‏ ‏[‏الواقعة‏:‏ 29‏]‏، قال أكثر المفسِّرين‏:‏ هو المَوْز‏.‏ و‏(‏المنضودُ‏)‏‏:‏ هو الذي قد نُضِّدَ بعضُه على بعض، كالمُشْط‏.‏ وقيل‏:‏ ‏(‏الطلحُ‏)‏‏:‏ الشجرُ ذو الشَّوْك، نُضِّدَ مكانَ كل شَوْكة ثمرة، فثمرُه قد نُضِّدَ بعضُه إلى بعض، فهو مثل الموز، وهذا القولُ أصح، ويكون مَن ذكر الموزَ من السَّلَف أراد التمثيل لا التخصيصَ‏.‏‏.‏ والله أعلم‏.‏

وهو حارٌ رطب، أجودُه النضيج الحلو، ينفع مِن خشونة الصدر والرئة والسُّعال، وقروح الكُلْيتَيْن، والمثانة، ويُدِرُّ البَوْل، ويزيد في المَنِىِّ، ويُحَرِّكُ الشهوة للجِماع، ويُليِّن البطن، ويُؤكل قبل الطعام، ويَضر المَعِدَة، ويزيد في الصفراء والبلغم، ودفعُ ضرره بالسكر أو العسل طَلْعٌ‏:‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ‏}‏ ‏[‏ق‏:‏ 10‏]‏ ، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ‏}‏ ‏[‏الشعراء ‏:‏ 148‏]‏

طلعُ النخل‏:‏

ما يبدو من ثمرته في أول ظهوره، وقشرُه يسمى الكُفُرَّى، و‏(‏النضيدُ‏)‏‏:‏ المَنْضود الذي قد نُضِّدَ بعضُه على بعض، وإنما يُقال له ‏(‏نضيدٌ‏)‏ ما دام في كُفُرَّاه، فإذا انفتح فليس بنضيد‏.‏

وأما ‏(‏الهضيم‏)‏‏:‏ فهو المنضم بعضُه إلى بعض، فهو كالنضيد أيضاً، وذلك يكون قبل تَشَقُّقِ الكُفُرَّى عنه‏.‏

والطلع نوعان‏:‏ ذكرٌ وأُنثى، والتلقيح هو أن يُؤخَذ من الذكر وهو مثلُ دقيق الحِنطة فيُجعل في الأُنثى، وهو ‏(‏التأْبِير‏)‏، فيكون ذلك بمنزلة اللقاح بين الذكر والأُنثى‏.‏

وقد روى مسلم في ‏(‏صحيحه‏)‏‏:‏ عن طلحةَ بن عُبيد الله رضى الله عنه، قال‏:‏ ‏(‏مررتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في نخلٍ، فرأى قوماً يُلَقِّحُونَ، فقال‏:‏ ‏(‏ما يصنعُ هؤلاء‏)‏ ‏؟‏ قالوا‏:‏ يأخُذون من الذكر فيجعلونه في الأُنثى‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏ما أَظُنُّ ذلك يُغنى شيئاً‏)‏، فبلغهم، فتركوه، فلم يَصْلُحْ، فقال النبىُّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إنما هُوَ ظََنٌ، فإن كان يُغنى شيئاً، فاصنَعوهُ، فإنَّما أنا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، وإنَّ الظَنَّ يُخطِئٌ ويُصيبُ، ولكنْ ما قلتُ لكم عنِ الله عَزَّ وجَلَّ، فلن أكذِبَ على اللهِ‏)‏‏.‏‏.‏ انتهى‏.‏

طلعُ النخل ينفع من الباه، ويَزيد في المُباضَعة‏.‏ ودقيقُ طلعه إذا تحمَّلتْ به المرأةُ قبل الجِماع أعان على الحَبَل إعانةً بالغة، وهو في البرودة واليُبوسة في الدرجة الثانية، يُقَوِّى المَعِدَة ويُجفِّفها، ويُسَكِّن ثائرة الدم مع غلظةٍ وبطءِ هضم‏.‏

ولا يحتمِلُه إلا أصحابُ الأمزجة الحارَّة، ومَن أكثرَ منه فإنه ينبغى أن يأخذ عليه شيئاً من الجُوَراشات الحارَّة، وهو يَعقِلُ الطبع، ويُقوِّى الأحشاء، والجُمَّارُ يجرى مجراه، وكذلك البلحُ، والبُسْرُ، والإكثارُ منه يضرُّ بالمَعِدَة والصدر، وربما أورث القُولَنْج، وإصلاحُه بالسمن، أو بما تقدَّم ذكرُه‏.‏

حرف العين

عِنَبٌ‏:‏

في ‏(‏الغَيْلانيَّات‏)‏ من حديث حَبيب بن يَسَار، عن ابن عباس رضى الله عنه قال‏:‏ رأيتُ رسـولَ الله صلى الله عليه وسلم يأكلُ العِنبَ خَرْطاً‏.‏

قال أبو جعفر العقيلىُّ‏:‏ لا أصلَ لهذا الحديث، قلتُ‏:‏ وفيه داودُ بن عبد الجبار أبو سُلَيم الكوفىُّ، قال يحيى بن مَعين‏:‏ كان يكذب‏.‏

ويُذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أنه كان يُحبُّ العنبَ والبِطيخَ‏.‏

وقد ذكر الله سبحانه العِنَبَ في ستة مواضع مِن كتابه في جملة نعمه التي أنعم بها على عباده في هذه الدار وفى الجَنَّة، وهو من أفضلِ الفواكه وأكثرِها منافعَ، وهو يُؤكل رطباً ويابساً، وأخضرَ ويانعاً، وهو فاكهةٌ مع الفواكه، وقوتٌ مع الأقواتِ، وأُدمٌ مع الإدام، ودواءٌ مع الأدوية، وشرابٌ مع الأشربة، وطبعُه طبعُ الحَبَّات‏:‏ الحرارة والرطوبةُ، وجيدُه الكُبَّارُ المائىُّ، والأبيضُ أحمدُ من الأسود إذا تساويا في الحلاوة، والمتروكُ بعد قطفه يومين أو ثلاثة أحمدُ من المقطوف في يومه، فإنه مُنفِخ مُطلِق للبطن، والمعلَّقُ حتى يَضمُرَ قشره جيدٌ للغذاء، مقوٍّ للبدن، وغِذاؤه كغذاء التِّين والزَّبيب، وإذا أُلقَى عَجَمُ العِنَب كان أكثر تلييناً للطبيعة، والإكثارُ منه مصدع للرأس، ودفع مضرته بالرُّمَّان المُزِّ‏.‏

ومنفعةُ العِنَب يُسَهِّل الطبع، ويُسَمِّن، ويَغذو جيدُه غِذاءً حسناً، وهو أحدُ الفواكه الثلاث التي هي ملوك الفواكه، هو والرُّطَب والتين‏.‏

عَسَلٌ‏:‏

قد تقدَّم ذكر منافعه‏.‏

قال ابن جُرَيْج‏:‏ قال الزُّهرىُّ‏:‏ عليك بالعسل، فإنه جيد للحفظ‏.‏

وأجودُه أصفاه وأبيضُه، وألينُه حِدّةً، وأصدقه حلاوةً، وما يُؤخذ من الجبال والشجر له فضلٌ على ما يُؤخذ من الخلايا، وهو بحسب مرعَى نَحْلِه

عَجْوَةٌ‏:‏

في ‏(‏الصحيحين‏)‏‏:‏ من حديث سعد بن أبى وقَّاص رضى الله عنه، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏مَن تَصَبَّحَ بِسَبْعِ تَمَراتٍ عَجْوَةٍ، لَمْ يَضُرَّهُ ذلك اليومَ سُمٌ ولا سِحْرٌ‏)‏‏.‏

وفى ‏(‏سنن النسائى‏)‏ وابن ماجه‏:‏ من حديث جابر، وأبى سعيد رضى الله عنهما، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏العَجْوَةُ مِنَ الجَنَّةِ، وهى شِفاءٌ مِنَ السُّمِّ، والكَمْأةُ مِنَ المَنِّ ، وماؤها شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ‏)‏‏.‏

وقد قيل‏:‏ إنَّ هذا في عجوة المدينة، وهى أحدُ أصناف التمر بها، ومن أنفع تمر الحجاز على الإطلاق، وهو صِنف كريم، ملذذ، متين للجسم والقوة، مِن ألين التمر وأطيبه وألذه‏.‏

وقد تقدَّم ذكرُ التمر وطبعه ومنافعه في حرف التاء، والكلامُ على دفع العَجْوَة للسُّمِّ والسِّحْر، فلا حاجة لإعادته‏.‏

عَنبَرٌ‏:‏

تقدَّم في ‏(‏الصحيحين‏)‏ من حديث جابر، في قصة أبى عُبيدةَ، وأكلِهم من العنبر شهراً، وأنهم تزوَّدُّوا من لحمه وشَائِقَ إلى المدينة، وأرسلوا منه إلى النبىِّ صلى الله عليه وسلم، وهو أحدُ ما يدل على أنَّ إباحة ما في البحر لا يَختصُّ بالسمك، وعلى أن ميتته حلال‏.‏

واعتُرِضَ على ذلك بأنَّ البحر ألقاه حياً، ثم جَزَرَ عنه الماء، فمات، وهذا حلال، فإنَّ موتَه بسبب مفارقته للماء، وهذا لا يَصِحُّ، فإنهم إنما وجدوه ميتاً بالساحل، ولم يُشاهدوه قد خرج عنه حيَّاً، ثم جَزَرَ عنه الماء‏.‏

وأيضاً‏:‏ فلو كان حياً لما ألقاه البحر إلى ساحله، فإنه من المعلوم أنَّ البحرَ إنما يقذِفُ إلى ساحله الميتَ من حيواناته لا الحىَّ منها‏.‏

وأيضاً‏:‏ فلو قُدِّرَ احتمالُ ما ذكروه لم يجز أن يكون شرطاً في الإباحة، فإنه لا يُباح الشىء مع الشك في سبب إباحته، ولهذا مَنَعَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم من أكل الصيد إذا وجده الصائِدُ غريقاً في الماء للشك في سبب موته، هل هو الآلة أم الماء ‏؟‏

وأما العنبرُ الذي هو أحدُ أنواع الطِّيب، فهو مِن أفخر أنواعه بعد المسك، وأخطأ مَن قدَّمه على المسك، وجعله سيدَ أنواع الطِّيب، وقد ثبت عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال في المِسْك‏:‏ ‏(‏هُوَ أطْيَبُ الطِّيب‏)‏، وسيأتى إن شاء الله تعالى ذكرُ الخصائص والمنافع التي خُصَّ بها المسكُ، حتى إنه طِيبُ الجَنَّة، والكُثبانُ التي هي مقاعدُ الصِّدِّيقين هناك مِن مِسْكٍ لا من عَنبرٍ‏.‏

والذي غَرَّ هذا القائل أنه لا يدخله التغير على طول الزمان، فهو كالذهب، وهذا لا يَدُلُّ على أنه أفضل من المسك، فإنه بهذه الخاصية الواحدة لا يُقاوِم ما في المسك من الخواص‏.‏

وبعد‏.‏‏.‏ فضروبُه كثيرة، وألوانه مختلفة، فمنه الأبيضُ، والأشهبُ، والأحمرُ، والأصفرُ، والأخضرُ، والأزرقُ، والأسودُ، وذو الألوان‏.‏

وأجودُه‏:‏ الأشهب، ثم الأزرق، ثم الأصفر‏.‏ وأردؤه‏:‏ الأسود‏.‏

وقد اختلف الناسُ في عُنصره، فقالت طائفة‏:‏ هو نبات يَنبُت في قعر البحر، فيبتلِعُه بعض دوابه، فإذا ثَمِلَتْ منه قَذَفتْه رَجِيعاً، فيقذِفُه البحر إلى ساحله‏.‏

وقيل‏:‏ طَلٌ ينزل من السماء في جزائر البحر، فتُلقيه الأمواج إلى الساحل‏.‏

وقيل‏:‏ رَوْثُ دابة بحرية تُشبه البقرة‏.‏

وقيل‏:‏ بل هو جُفَاء من جُفَاء البحر، أى‏:‏ زَبَدٌ‏.‏

وقال صاحب ‏(‏القانون‏)‏‏:‏ هو فيما يُظَن ينبع مِن عَيْن في البحر، والذي يُقال‏:‏ إنه زَبَد البحر، أو روثُ دابة بعيدٌ‏.‏‏.‏ انتهى‏.‏

ومزاجه حار يابس، مقوٍّ للقلب، والدماغ، والحواس، وأعضاء البدن، نافع من الفالج واللَّقْوة، والأمراض البلغمية، وأوجاع المَعِدَة الباردة، والرياح الغليظة، ومن السُّدد إذا شُرب، أو طُلِىَ به من خارج، وإذا تُبُخِّر به، نفع من الزُّكام، والصُّداع، والشَّقِيقة الباردة‏.‏

عُودٌ‏:‏

العود الهندى نوعان؛ أحدهما‏:‏ يُستعمل في الأدوية وهو الكُسْت، ويقال له‏:‏ القُسْط، وسيأتى في حرف القاف‏.‏

الثانى‏:‏ يُستعمل في الطِّيب، ويقال له‏:‏ الأَلُوَّة

وقد روى مسلم في ‏(‏صحيحه‏)‏‏:‏ عن ابن عمر رضى الله عنهما، ‏(‏أنه كان يَسْتَجْمِرُ بالأَلُوَّة غير مُطرَّاة، وبكافُور يُطْرَحُ معها‏)‏، ويقول‏:‏ هكذا كان يستجمرُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وثبت عنه في صفة نعيم أهل الجَنَّة‏:‏ ‏(‏مجامِرُهُمُ الألُوَّةُ‏)‏‏.‏

و‏(‏المجامر‏)‏‏:‏ جمع مِجْمَرٍ؛ وهو ما يُتجمَّر به مِن عود وغيره، وهو أنواع‏:‏ أجودُها‏:‏ الهندى، ثم الصِّينى، ثم القَمارى، ثم المنْدَلى‏.‏

وأجوده‏:‏ الأسود والأزرق الصُّلب الرزينُ الدسم، وأقلَّه جودة‏:‏ ما خفَّ وطفا على الماء‏.‏

ويقال‏:‏ إنه شجر يُقطع ويُدفن في الأرض سنة، فتأكل الأرض منه ما لا ينفع، ويبقى عودُ الطِّيب، لا تعمل فيه الأرض شيئاً، ويتعفَّن منه قِشرُه وما لا طِيبَ فيه‏.‏

وهو حارٌ يابس في الثالثة، يفتح السُّدد، ويكسر الرياح، ويُذهب بفضل الرُّطوبة، ويُقوِّى الأحشاء والقلب ويُفرحه، وينفع الدماغ، ويُقوِّى الحواس، ويحبِسُ البطن، وينفع مِن سَلَس البَوْل الحادث عن برد المثانة‏.‏

قال ابن سمجون‏:‏ العود ضروب كثيرة يجمعها اسم الأَلُوَّة، ويُستعمل من داخل وخارج، ويُتجمَّرُ به مفرداً ومع غيره، وفى الخلط للكافور به عند التجمير معنى طبى، وهو إصلاحُ كل منهما بالآخر، وفى التجمُّر مراعاةُ جوهر الهواء وإصلاحُه، فإنه أحدُ الأشياء الستة الضرورية التي في صلاحها صلاحُ الأبدان‏.‏

عَدَسٌ‏:‏

قد ورد فيه أحاديثُ كُلُّهَا باطلة على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، لم يَقُلْ شيئاً منها، كحديث‏:‏ ‏(‏ إنه قُدِّس على لسانِ سبعين نبياً ‏)‏

وحديث‏:‏ ‏(‏ إنه يرق القلب، ويُغْزِرُ الدَّمعة، وإنه مأكول الصالحين‏)‏، وأرفع شىء جاء فيه وأصحه، أنه شهوةُ اليهود التي قدَّموها على المنِّ والسلوَى، وَهُو قَرِينُ الثوم والبصل في الذكر‏.‏

وطبعه طبعُ المؤنث، بارد يابس، وفيه قوتان متضادَّتان‏.‏ إحداهما‏:‏ يَعقِلُ الطبيعة‏.‏ والأخرى‏:‏ يُطلقها، وقشره حار يابس في الثالثة، حِرِّيف مُطْلِق للبطن، وترِياقُه في قشره، ولهذا كان صِحاحهُ أنفعَ من مطحونه، وأخفَّ على المَعِدَة، وأقلَّ ضرراً، فإنَّ لُبَّه بطىءُ الهضم لبرودته ويُبوسته، وهو مولِّد للسَّوداء، ويَضُرُّ بالماليخوليا ضرراً بيِّناً، ويَضُرُّ بالأعصاب والبصر‏.‏

وهو غليظُ الدم، وينبغى أن يتجنبه أصحابُ السوداء، وإكثارهم منه يُولِّد لهم أدواء رديئة‏:‏ كالوسواس، والجذام، وحُمَّى الربِّع، ويُقلل ضرره السلقُ، والإسفاناخ، وإكثار الدُّهن، وأردأ ما أُكِلَ بالنمكسود، وليُتجنب خلط الحلاوة به، فإنه يُورث سُدداً كبديَّة، وإدمانه يُظلم البصر لشدة تجفيفه، ويُعَسِّر البَوْل، ويُوجِبُ الأورام الباردة، والرياحَ الغليظة‏.‏ وأجودُه‏:‏ الأبيضُ السمينُ، السريع النُّضج‏.‏

وأما ما يظنُّه الجُهَّالُ أنه كان سِماطَ الخليل الذي يُقدِّمه لأضيافه، فَكَذِبٌ مفترَى، وإنما حكى اللهُ عنه الضيافَة بالشِّوَاء، وهو العِجل الحَنِيذ‏.‏

وذكر البيهقى عن إسحاق قال‏:‏ سُئل ابنُ المبارك عن الحديث الذي جاء في العَدَس، أنه قُدِّسَ على لسان سبعين نبيّاً، فقال‏:‏ ولا على لسان نبى واحد، وإنَّه لمؤذ منفخ، مَن حدثكم به ‏؟‏ قالوا‏:‏ سَلم بن سالم، فقال‏:‏ عمَّن ‏؟‏ قالوا‏:‏ عنك‏.‏ قال‏:‏ وعنى أيضاً،،‏؟‏

حرف الغين

غَيْثٌ‏:‏

مذكور في القرآن في عِدة مواضع، وهو لذيذ الاسم على السمع، والمسمَّى على الروح والبدن، تبتهجُ الأسماعُ بذكره، والقلوب بوروده، وماؤُه أفضلُ المياه، وألطفُهَا وأنفعُهَا وأعظمُهَا بركة، ولا سِيَّما إذا كان مِن سحاب راعد، واجتمع في مستنقعات الجبال‏.‏

وهو أرطبُ من سائر المياه، لأنه لم تَطُلْ مُدَّته على الأرض، فيَكتسب من يُبوستها، ولم يُخالطه جوهر يابس، ولذلك يتغيَّر ويتعفَّن سريعاً للطافته وسرعة انفعاله‏.‏

وهل الغَيْثُ الرَّبيعى ألطفُ من الشتوى أو بالعكس ‏؟‏ فيه قولان‏.‏

قال مَن رجَّح الغَيْث الشتوى‏:‏ حرارةُ الشمس تكون حينئذ أقلَّ، فلا تجتذِب من ماء البحر إلا ألْطفَه، والجوُّ صافٍ وهو خالٍ من الأبخرة الدخانيَّة، والغبار المخالط للماء، وكُلُّ هذا يوجب لطفه وصفاءه، وخُلوَّه من مخالط‏.‏

وقال مَن رجَّح الرَّبيعى‏:‏ الحرارة تُوجب تحلُّلَ الأبخرة الغليظة، وتُوجب رِقة الهواء ولطافته، فيخِفُّ بذلك الماء، وتَقِلُّ أجزاؤه الأرضية، وتُصادِف وقتَ حياة النبات والأشجار وطِيب الهواء

وذكر الشافعى رحمه الله عن أنس بن مالك رضى الله عنهما، قال‏:‏ كُنَّا مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فأصابنا مطرٌ، فَحَسَر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثوبَه، وقال‏:‏ ‏(‏إنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّه‏)‏، وقد تقدَّم في هَدْيه في الاستسقاء ذكر استمطاره صلى الله عليه وسلم وتبركه بماء الغَيْث عند أوَّلَ مجيئه‏.‏

حرف الفاء

فَاتِحَةُ الْكِتاب‏:‏

وأُمُّ القرآن، والسبعُ المثانى، والشفاءُ التام، والدواءُ النافع، والرُّقيةُ التامة، ومفتاح الغِنَى والفلاح، وحافظةُ القوة، ودافعةُ الهم والغم والخوف والحزن لمن عرف مقدارَها وأعطاها حقَّها، وأحسنَ تنزيلها على دائه، وعَرَفَ وجهَ الاستشفاء والتداوى بها، والسرَّ الذي لأجله كانت كذلك‏.‏

ولما وقع بعضُ الصحابة على ذلك، رقى بها اللَّديغ، فبرأ لوقته‏.‏ فقال له النبىُّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏وما أدراك أنَّها رُقْيَة‏)‏‏.‏

ومَن ساعده التوفيق، وأُعين بنور البصيرة حتى وقف على أسرارِ هذه السورة، وما اشتملت عليه مِنَ التوحيد، ومعرفةِ الذات والأسماء والصفات والأفعال، وإثباتِ الشرع والقَدَر والمعاد، وتجريدِ توحيد الربوبية والإلهية، وكمال التوكل والتفويض إلى مَن له الأمر كُلُّه، وله الحمدُ كُلُّه، وبيده الخيرُ كُلُّه، وإليه يرجع الأمرُ كُلُّه، والافتقار إليه في طلب الهداية التي هي أصلُ سعادة الدارين، وعَلِمَ ارتباطَ معانيها بجلب مصالحهما، ودفع مفاسدهما، وأنَّ العاقبةَ المطلقة التامة، والنعمةَ الكاملة مَنوطةٌ بها، موقوفةٌ على التحقق بها، أغنته عن كثير من الأدوية والرُّقى، واستفتح بها من الخير أبوابه، ودفع بها من الشر أسبابَه‏.‏

وهذا أمرٌ يحتاجُ استحداثَ فِطرةٍ أُخرى، وعقلٍ آخر، وإيمانٍ آخر، وتاللهِ لا تجدُ مقالةٌ فاسدة، ولا بدعةٌ باطلة إلا وفاتحةُ الكتابِ متضمِّنة لردها وإبطالها بأقرب الطُرُق، وأصحِّها وأوضحِها، ولا تجدُ باباً من أبواب المعارف الإلهية، وأعمالِ القلوب وأدويتها مِن عللها وأسقامها إلا وفى فاتحة الكتاب مفتاحُه، وموضعُ الدلالة عليه، ولا منزلاً من منازل السائرين إلى ربِّ العالمين إلا وبدايتُه ونهايتُه فيها‏.‏

ولعَمْرُ الله إنَّ شأنها لأعظمُ من ذلك، وهى فوقَ ذلك‏.‏ وما تحقَّق عبدٌ بها، واعتصم بها، وعقل عمن تكلَّم بها، وأنزلها شفاءً تاماً، وعِصمةً بالغةً، ونوراً مبيناً، وفهمها وفهم لوازمَها كما ينبغى ووقع في بدعةٍ ولا شِركٍ، ولا أصابه مرضٌ من أمراض القلوب إلا لِماماً، غيرَ مستقر‏.‏

هذا‏.‏‏.‏ وإنها المفتاح الأعظم لكنوز الأرض، كما أنها المفتاحُ لكنوز الجَنَّة، ولكن ليس كل واحد يُحسن الفتح بهذا المفتاح، ولو أنَّ طُلابَ الكنوز وقفوا على سر هذه السورة، وتحقَّقُوا بمعانيها، وركَّبوا لهذا المفتاح أسناناً، وأحسنُوا الفتح به، لوصلوا إلى تناول الكُنوزِ من غير معاوِق، ولا ممانع‏.‏

ولم نقل هذا مجازفةً ولا استعارةً؛، بل حقيقةً، ولكنْ لله تعالى حكمةٌ بالغة في إخفاء هذا السر عن نفوس أكثر العالَمين، كما لَه حكمة بالغة في إخفاء كنوز الأرض عنهم‏.‏ والكنوزُ المحجوبة قد استُخدمَ عليها أرواحٌ خبيثة شيطانية تحولُ بين الإنس وبينها، ولا تقهرُها إلاَّ أرواحٌ عُلْوية شريفة غالبة لها بحالها الإيمانى، معها منه أسلحةٌ لا تقومُ لها الشياطين، وأكثرُ نفوس الناس ليست بهذه المَثابة، فلا يُقاوِمُ تلك الأرواح ولا يَقْهَرُها، ولا ينال من سلبِها شيئاً، فإنَّ مَن قتل قتيلاً فله سلبه‏.‏

فَاغِيَةٌ‏:‏

هي نَوْرُ الحِنَّاء، وهى من أطيب الرياحين، وقد روى البيهقى في كتابه ‏(‏شُعَب الإيمان‏)‏ من حديث عبد الله بن بُريدَة، عن أبيه رضى الله عنه يرفعه‏:‏ ‏(‏ سيدُ الرَّياحين في الدنيا والآخرة الفاغِيَةُ‏)‏، وروى فيه أيضاً، عن أنس بن مالك رضى الله عنه، قال‏:‏ ‏(‏كان أحَبَّ الرَّياحين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاغِيَةُ‏)‏‏.‏ والله أعلم بحال هذين الحديثين، فلا نشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لا نعلم صِحته‏.‏

وهى معتدلةٌ في الحر واليُبْس، فيها بعضُ القبض، وإذا وُضِعَتْ بين طىِّ ثياب الصوف حفظتْها من السوس، وتدخل في مراهم الفالج والتمدد، ودُهنها يُحلِّل الأعضاء، ويُلَيِّن العصب‏.‏

فِضَّةٌ‏:‏

ثبت أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان خاتِمُه من فِضَّة، وفَصُّه منه، وكانت قَبِيعةُ سيفِه فِضَّة، ولم يصح عنه في المنع من لباس الفِضَّة والتحلِّى بها شىءٌ البتة، كما صَحَّ عنه المنع من الشُّرب في آنيتها، وبابُ الآنية أضيقُ من باب اللباس والتحلى، ولهذا يُباح للنساء لباساً وحليةً ما يحرُم عليهن استعمالُه آنيةً، فلا يلزم من تحريم الآنية تحريمُ اللباس والحلية‏.‏

وفى ‏(‏السنن‏)‏ عنه‏:‏ ‏(‏ وأما الفِضَّةُ فالعبوا بها لَعْباً‏)‏‏.‏ فالمنع يحتاجُ إلى دليل يُبينه، إما نصٌ أو إجماع، فإن ثبت أحدُهما، وإلا ففى القلب من تحريم ذلك على الرجال شىء، والنبىُّ صلى الله عليه وسلم أمسك بيده ذهباً، وبالأخرى حريراً، وقال‏:‏ ‏(‏هذان حرامٌ على ذُكُور أُمَّتى، حِلٌ لإناثهم‏)‏‏.‏

والفِضَّة سِرٌ من أسرار الله في الأرض وطلسم الحاجات، وإحسانُ أهل الدنيا بينهم، وصاحبُها مرموقٌ بالعيون بينهم، معظَّمٌ في النفوس، مُصدَّرٌ في المجالس، لا تُغلق دونه الأبواب، ولا تُمَلُّ مجالستُه، ولا معاشرتُه، ولا يُستثقل مكانه، تُشير الأصابعُ إليه، وتعقِد العيون نِطاقها عليه، إن قال سُمِعَ قوله، وإن شَفَعَ قُبِلَتْ شفاعتُه، وإن شهد زُكِّيتْ شهادتُه، وإن خَطَبَ فكُفء لا يُعاب، وإن كان ذا شيبة بيضاء فهى أجمل عليه من حِلية الشباب‏.‏

وهى من الأدوية المفرحة النافعةِ من الهمِّ والغمِّ والحزن، وضعف القلب وخفقانه، وتدخُلُ في المعاجين الكُبَّار، وتجتذب بخاصيتها ما يتولَّد في القلب من الأخلاط الفاسدة، خصوصاً إذا أُضيفت إلى العسل المصفَّى، والزعفران‏.‏

ومزاجُها إلى اليبُوسة والبُرودة، ويتولَّد عنها مِن الحرارة والرُّطوبة ما يتولَّد، والجِنَانُ التي أعدَّها الله عَزَّ وجَلَّ لأوليائه يومَ يلقونه أربعٌ‏:‏ جنَّتانِ من ذهب، وجنَّتان مِن فِضَّة، آنيتهُما وحليتهما وما فيهما‏.‏

وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في ‏(‏الصحيح‏)‏ من حديث أُم سلمة أنه قال‏:‏ ‏(‏الذي يشربُ في آنيةِ الذَّهَب والفِضَّة إنما يُجَرْجِرُ في بَطْنِهِ نارَ جَهَنَّمَ‏)‏‏.‏

وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏لا تشربوا في آنيةِ الذَّهبِ والفِضَّةِ، ولا تأكُلُوا في صِحَافِهما، فإنها لَهُم في الدُّنْيا ولكم في الآخِرَةِ‏)‏‏.‏

فقيل‏:‏ عِلَّةُ التحريم تضييقُ النقود، فإنها إذا اتُّخِذَتْ أوانىَ فاتت الحِكمةُ التي وُضعت لأجلها من قيام مصالح بنى آدم، وقيل‏:‏ العِلَّةُ الفخر والخُيلاَء‏.‏ وقيل‏:‏ العِلَّةُ كسرُ قلوب الفقراء والمساكين إذا رأوها وعاينوها‏.‏

وهذه العللُ فيها ما فيها، فإنَّ التعليل بتضييق النقود يمنع من التحلى بها وجعلِها سبائكَ ونحوَها مما ليس بآنيةٍ ولا نقْدٍ، والفخرُ والخيلاءُ حرام بأى شىء كان، وكسر قلوب المساكين لا ضابطَ له، فإنَّ قُلوبَهم تنكسر بالدُّور الواسعة، والحدائق المعجبة، والمراكبِ الفارهة، والملابس الفاخرة، والأطعمة اللذيذة، وغير ذلك من المباحات، وكُلُّ هذه عللٌ منتقَضة، إذ تُوجد العِلَّةُ، ويَتَخلَّف معلولُها‏.‏

فالصواب أنَّ العِلَّة والله أعلم ما يُكْسِب استعمالُها القلبَ من الهيئة، والحالة المنافية للعبودية منافاةً ظاهرة، ولهذا عَلَّل النبىُّ صلى الله عليه وسلم بأنها للكفار في الدُّنْيا، إذ ليس لهم نصيب مِن العبودية التي ينالون بها في الآخرة نعيمها، فلا يصلُح استعمالُها لعبيد الله في الدنيا، وإنما يستعمِلُها مَنْ خرج عن عبوديته، ورَضِىَ بالدنيا وعاجِلهَا من الآخرة‏.‏

حرف القاف

قُرْآنٌ‏:‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 82 ‏]‏

والصحيح‏:‏ أنَّ ‏(‏من‏)‏ ههنا لبيان الجنس لا للتبعيض‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا في الصُّدُورِ‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 57‏]‏ ‏.‏

فالقرآنُ هو الشِّفاء التام مِن جميع الأدواء القلبية والبدنية، وأدواءِ الدنيا والآخرة، وما كُلُّ أحدٍ يُؤهَّل ولا يُوفَّق للاستشفاء به، وإذا أحسن العليل التداوىَ به، ووضعَه على دائه بصدقٍ وإيمان، وقبولٍ تام، واعتقادٍ جازم، واستيفاءِ شروطه، لم يُقاوِمْهُ الداءُ أبداً‏.‏

وكيف تُقاوِمُ الأدواءُ كلامَ ربِّ الأرض والسماءِ الذي لو نزل على الجبال، لصَدَعَهَا، أو على الأرض، لقطعها، فما مِن مرضٍ من أمراض القُلُوبِ والأبدان إلا وفى القُرآن سبيلُ الدلالة على دوائه وسببه، والحِمية منه لمن رزقه الله فهماً في كتابه‏.‏

وقد تقدَّم في أول الكلام على الطب بيانُ إرشاد القرآن العظيم إلى أُصوله ومجامعه التي هي حفظُ الصحة والحِميةُ، واستفراغُ المؤذى، والاستدلالُ بذلك على سائر أفراد هذه الأنواع‏.‏

وأما الأدوية القلبية، فإنه يذكرها مُفصَّلةً، ويذكر أسبابَ أدوائها وعلاجها‏.‏ قال‏:‏ ‏{‏أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ‏}‏ ‏[‏العنكبوت‏:‏ 51‏]‏ ، فمَن لم يَشْفِه القرآنُ، فلا شفاه الله، ومَن لم يَكفِه، فلا كفاه الله‏.‏

قِثَّاءٌ‏:‏

في ‏(‏السنن‏)‏‏:‏ من حديث عبد الله بن جعفر رضى الله عنه ‏(‏أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يأكلُ القِثَّاءَ بالرُّطب‏)‏‏.‏ ورواه الترمذىُّ وغيره‏.‏

القِثَّاء بارد رطب في الدرجة الثانية، مطفىءٌ لحرارة المَعِدَة الملتهبة، بطىء الفساد فيها، نافعٌ من وجع المثانة، ورائحتُه تنفع من الغَشْى، وبِزرُه يُدِرُّ البَوْل، وورقهُ إذا اتُّخِذ ضِماداً، نفع من عضة الكلب‏.‏

وهو بطىءُ الانحدار عن المَعِدة، وبرده مُضِرٌ ببعضها، فينبغى أن يُستعملَ معه ما يُصلحه ويكسر برودته ورطوبته، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أكله بالرُّطب، فإذا أُكل بتمر أو زبيب أو عسل عدَّله‏.‏

قُسْطٌ وكُسْت‏:‏

بمعنى واحد‏.‏ وفى ‏(‏الصحيحين‏)‏‏:‏ من حديث أنس رضى الله عنه، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏خيرُ ما تداوَيْتُم به الحِجامةُ والقُسْطُ البَحْرِىُّ‏)‏‏.‏

وفى ‏(‏المسند‏)‏‏:‏ من حديث أُمِّ قيـس، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏عليكم بهذا العُود الهندىِّ، فإنَّ فيه سَـبْعَةَ أشْــفِيةٍ منها ذاتُ الجَنْبِ‏)‏‏.‏

القُسْط‏:‏ نوعان‏.‏ أحدهما‏:‏ الأبيضُ الذي يُقَال له‏:‏ البحرىُّ‏.‏ والآخر‏:‏ الهندىُّ، وهو أشدُّهما حراً، والأبيضُ ألينهُما، ومنافعُهما كثيرة جداً‏.‏

وهما حاران يابسان في الثالثة، يُنشِّفان البلغم، قاطعانِ للزُّكام، وإذا شُرِبَا، نفعا من ضعف الكَبِدِ والمَعِدَة ومن بردهما، ومِن حُمَّى الدَّوْرِ والرِّبع، وقطعا وجعَ الجنب، ونفعا مِن السُّمُوم، وإذا طُلِىَ به الوجهُ معجوناً بالماء والعسل، قَلَعَ الكَلَف‏.‏

وقال ‏(‏جالينوسُ‏)‏‏:‏ ينفع من الكُزَاز، ووجع الجَنْبين، ويقتل حَبَّ القَرَع‏.‏

وقد خفىَ على جُهَّال الأطباء نفعُه من وجِعَ ذاتِ الجَنْب، فأنكروه، ولو ظَفِر هذا الجاهلُ بهذا النقل عن ‏(‏جالينوس‏)‏ لنزَّله منزلةَ النص، كيف وقد نصَّ كثيرٌ من الأطباء المتقدمين على أنَّ القُسْطَ يصلحُ للنوع البلغمىِّ من ذات الجنب، ذكره الخطَّابىُّ عن محمد بن الجَهْم‏.‏

وقد تقدَّم أنَّ طِبُّ الأطباء بالنسبة إلى طِبِّ الأنبياء أقلُّ من نسبةِ طِب الطُّرقيَّة والعجائز إلى طِبِّ الأطباء، وأنَّ بيْن ما يُلقَّى بالوحى، وبيْن ما يُلَقَّى بالتجربة، والقياسِ من الفرْق أعظمَ مما بَيْن القَدَم والفرق‏.‏

ولو أنَّ هؤلاء الجُهَّال وجدوا دواءً منصوصاً عن بعض اليهود والنصارى والمشركين من الأطباء، لتلقَّوْه بالقبول والتسليم، ولم يتوقَّفُوا على تجربته‏.‏

نعم‏.‏‏.‏ نحن لا ننكِرُ أنَّ للعادة تأثيراً في الانتفاع بالدواء وعدمه، فمَن اعتاد دواءً وغذاءً، كان أنفعَ له، وأوفقَ ممن لم يَعتدْه، بل ربما لم ينتفع به مَن لم يعتده‏.‏

وكلامُ فضلاء الأطباء وإن كان مطلَقاً فهو بحسب الأمزجة والأزمنة، والأماكن والعوائد، وإذا كان التقييدُ بذلك لا يقدح في كلامهم ومعارفهم، فكيف يقدح في كلام الصادق المصدوق، ولكن نفوس البَشَر مركبةٌ على الجهل والظلم، إلا مَن أيَّده الله بروح الإيمان، ونَوَّرَ بَصيرته بنور الهُدَى‏.‏

قَصَبُ السُّكَّرِ‏:‏

جاء في بعض ألفاظ السُّـنَّة الصحيحة في الحَوض‏:‏ ‏(‏ماؤه أحلى من السكَّر ‏)‏ ولا أعرف ‏(‏السكر‏)‏ في الحديث إلا في هذا الموضع‏.‏

والسكر حادث لم يتكلم فيه متقدِّمو الأطباء، ولا كانوا يعرفونه، ولا يَصِفونه في الأشربة، وإنما يعرفون العسل، ويُدخلونه في الأدوية‏.‏

وقصبُ السكر حارٌ رطب ينفع من السُّعال، ويجلو الرطوبةَ والمثانة، وقصبةَ الرِّئة، وهو أشدُّ تلييناً من السكر، وفيه معونةٌ على القىء، ويُدِرُّ البَوْل، ويزيد في الباه‏.‏ قال عفان بن مسلم الصفَّار‏:‏ مَنْ مَصَّ قصبَ السكر بعد طعامه، لم يزل يومَه أجمعَ في سرور‏.‏‏.‏ انتهى‏.‏

وهو ينفع من خشونة الصدر والحلق إذا شُوِىَ، ويُولِّد رياحاً دفعُها بأن يُقشَّرَ ويُغسل بماء حار‏.‏

والسكر حارٌ رطب على الأصح، وقيل‏:‏ بارد‏.‏ وأجودُه‏:‏ الأبيض الشفاف الطَّبَرْزَد، وعَتيقُه ألطفُ من جديده، وإذا طُبِخَ ونُزِعَتْ رغوتُه، سكَّن العطشَ والسُّعال، وهو يضر المَعِدَة التي تتولَّد فيها الصفراءُ لاستحالته إليها، ودفعُ ضرره بماء اللَّيمون أو النارَنْجِ، أو الرُّمان اللــفَّان‏.‏

وبعضُ الناس يُفضِّلُه على العسل لقِلَّة حرارته ولينه، وهذا تحامل منه على العسل، فإنَّ منافع العسل أضعافُ منافع السكر، وقد جعله الله شِفاءً ودواءً، وإداماً وحلاوةً، وأين نفعُ السكر مِن منافع العسل‏:‏ مِن تقويةِ المَعِدَة، وتليين الطبع، وإحدادِ البصر، وجِلاءِ ظُلمته، ودفعِ الخوانيق بالغرغرةِ به، وإبرائِهِ من الفالج واللَّقْوة، ومِن جميع العلل الباردة التي تَحدُث في جميع البدن من الرطوبات، فيجذِبُها من قعر البدن، ومن جميع البدن، وحفظِ صحته وتسمينه وتسخينه، والزيادةِ في الباه، والتحليلِ والجِلاءِ، وفتح أفواهِ العروق، وتنقيةِ المِعَى، وإحدارِ الدُّود، ومنعِ التخم وغيره من العفن، والأُدم النافع، وموافقةِ مَن غلب عليه البلغمُ والمشايخ وأهلِ الأمزجة الباردة‏.‏‏.‏ وبالجملة‏:‏ فلا شىء أنفعُ منه للبدن، وفى العلاج وعجز الأدوية، وحفظِ قواها، وتقويةِ المَعِدة إلى أضعاف هذه المنافع، فأين للسُّكَّرِ مثلُ هذه المنافع والخصائص أو قريبٌ منها ‏؟‏

حرف الكاف

كِتَابٌ لِلحُمَّى‏:‏

قال المرْوَزِىُّ‏:‏ بَلَغَ أبا عبد الله أنى حُممتُ، فكتب لى من الحُمَّى رقعةً فيها‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله، وبالله، محمدٌ رسول الله، ‏{‏قُلْنَا يَا نَارُ كُونِى بَرْداً وَسَلاَمَاً عَلَى إبْرَاهِيمَ وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ‏}‏ ‏[‏الأنبياء ‏:‏ 69-70‏]‏، اللَّهُمَّ ربَّ جبرائيلَ، وميكائيلَ، وإسرافيلَ، اشفِ صاحبَ هذا الكتابِ بِحَوْلِك وقُوَّتِكَ وجَبَرُوتِكَ، إلهَ الحق آمين‏.‏

قال المَرْوزىُّ‏:‏ وقرأ على أبى عبد الله وأنا أسمعُ أبو المُنذر عمرُو بن مجمع، حدَّثنا يونسُ بن حِبَّانَ، قال‏:‏ سألتُ أبا جعفر محمد بن على، أن أُعلِّقَ التَعْويذَ، فقال‏:‏ إن كان من كتاب الله أو كلام عن نبىِّ الله فعلِّقْه واستَشفِ به ما استطعتَ‏.‏ قلتُ‏:‏ أكتبُ هذه من حُمَّى الرِّبع‏:‏ باسم الله، وبالله، ومحمد رسول الله‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلى آخره ‏؟‏ قال‏:‏ أىْ نعم‏.‏

وذكر أحمدُ عن عائشة رضى الله عنها وغيرها، أنهم سهَّلُوا في ذلك‏.‏

قال حربٌ‏:‏ ولم يُشدِّدْ فيه أحمد بن حنبل‏.‏ قال أحمد‏:‏ وكان ابن مسعود يكرهه كراهةً شديدة جدّا‏.‏ وقال أحمد وقد سُئِل عن التمائمُ تُعَلَّق بعد نزول البلاء ‏؟‏ قال‏:‏ أرجو أن لا يكونَ به بأس‏.‏

قال الخَلاَّل‏:‏ وحدَّثنا عبد الله بن أحمد، قال‏:‏ رأيتُ أبى يكتب التعويذَ للذى يفزَعُ، وللحُمَّى بعد وقوع البلاء‏.‏

كتاب لعُسْر الولادة‏:‏

قال الخَلال‏:‏ حدَّثنى عبدُ الله بن أحمد، قال‏:‏ رأيتُ أبى يكتب للمرأة إذا عَسُرَ عليها ولادُتها في جامٍ أبيض، أو شىء نظيف، يكتُبُ حديث ابن عباس رضى الله عنه‏:‏ لا إله إلا الله الحليمُ الكريمُ، سبحان الله ربِّ العرش العظيم، الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِين‏:‏ ‏{‏كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُواْ إلاَّ سَاعَةً مِّنْ نَهَارٍ بَلاَغٌ‏}‏ ‏[‏الأحقاف‏:‏ 35‏]‏ ، ‏{‏كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا‏}‏ ‏[‏النازعات‏:‏ 46‏]‏

قال الخَلال‏:‏ أنبأنا أبو بكر المَرْوزىُّ‏:‏ أنَّ أبا عبد الله جاءه رجل فقال‏:‏ يا أبا عبد الله؛ تكتبُ لامرأة قد عَسُرَ عليها ولدُها منذ يومين ‏؟‏ فقال‏:‏ قُلْ له‏:‏ يَجِئ بجامٍ واسِع، وزعفرانٍ، ورأيتُهُ يكتب لغير واحد‏.‏

ويُذكر عن عِكرمةَ، عن ابن عباس، قال‏:‏ مَرَّ عيسى صلَّى الله على نبيِّنا وعليه وسَلَّم على بقرة قد اعتَرَضَ ولدُها في بطنها، فقالت‏:‏ يا كلمةَ الله؛ ادعُ الله لى أن يُخَلِّصَنى مما أنا فيه‏.‏ فقال‏:‏ يا خالقَ النفسَ مِنَ النفسِ، ويا مخلِّصَ النفسَ مِنَ النفسِ، ويا مُخْرِجَ النفسَ مِنَ النفسِ، خَلِّصْهَا‏.‏ قال‏:‏ فرمتْ بولدها، فإذا هي قائمة تَشُمُّه‏.‏ قال‏:‏ فإذا عَسُرَ عَلى المرأة ولدُها، فاكتبْه لها‏.‏ وكل ما تقدم من الرقى، فإن كتابته نافعة‏.‏

ورخص جماعة من السلف في كتابة بعض القرآن وشربه، وجعل ذلك من الشفاء الذي جعل الله فيه‏.‏

كتاب آخر لذلك‏:‏ يكتب في إناء نظيف‏:‏ ‏{‏إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت وإذا الأرض مدت وألقت ما فيها وتخلت‏}‏ ‏[‏الانشقاق‏:‏ 1-4‏]‏، وتشرب منه الحامل، ويرش على بطنها‏.‏

كتاب للرعاف‏:‏

كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يكتب على جبهته‏:‏ ‏{‏وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 44‏]‏‏.‏ وسمعته يقول‏:‏ كتبتها لغير واحد فبرأ، فقال‏:‏ ولا يجوز كتابتها بدم الراعف، كما يفعله الجهال، فإن الدم نجس، فلا يجوز أن يكتب به كلام الله تعالى‏.‏

كتاب آخر له‏:‏ خرج موسى عليه السلام برداء، فوجد شعيباً، فشده بردائه ‏{‏يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب‏}‏ ‏[‏الرعد‏:‏ 39‏]‏‏.‏

كتاب آخر للحزاز‏:‏

يكتب عليه‏:‏ ‏{‏فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 266‏]‏ بحول الله وقوته‏.‏

كتاب آخر له‏:‏ عند اصفرار الشمس يكتب عليه‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نوراً تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم‏}‏ ‏[‏الحديد‏:‏ 28‏]‏‏.‏

كتاب آخر للحمى المثلثة‏:‏

يكتب على ثلاث ورقات لطاف‏:‏ بسم الله فرَّت، بسم الله مرت، بسم الله قلت، ويأخذ كل يوم ورقة، ويجعلها في فمه، ويبتلعها بماء‏.‏

كتاب آخر لعرق النسا‏:‏

بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم رب كل شيء، ومليك كل شيء، وخالق كل شيء، أنت خلقتني، وأنت خلقت النَّسا، فلا تسلطه علي بأذى، ولا تسلطني عليه بقطع، واشفني شفاء لا يغادر سقماً، لا شافي إلا أنت‏.‏

كتاب للعرق الضارب‏:‏

روى الترمذي في ‏(‏جامعه‏)‏‏:‏ من حديث ابن عباس رضي الله عنهما‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم من الحمى، ومن الأوجاع كلها أن يقولوا‏:‏ ‏(‏بسم الله الكبير، أعوذ بالله العظيم من شر كل عرق نعار، ومن شر حر النار‏)‏‏.‏

كتاب لوجع الضرس‏:‏

يكتب على الخد الذي يلي الوجع‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم‏:‏ ‏{‏قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 78‏]‏، وإن شاء كتب‏:‏ ‏{‏وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 13‏]‏‏.‏

كتاب للخراج‏:‏

يكتب عليه‏:‏ ‏{‏ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً فيذرها قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 105‏]‏‏.‏

كمأة‏:‏

ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين‏)‏، أخرجاه في ‏(‏الصحيحين‏)‏‏.‏

قال ابن الأعرابي‏:‏ الكمأة‏:‏ جمع، واحده كمء، وهذا خلاف قياس العربية، فإن ما بينه وبين واحده التاء، فالواحد منه بالتاء، وإذا حذفت كان للجمع‏.‏ وهل هو جمع، أو اسم جمع ‏؟‏ على قولين مشهورين، قالوا‏:‏ ولم يخرج عن هذا إلا حرفان‏:‏ كمأة وكمء، وجبأة وجبء، وقال غير ابن الأعرابي‏:‏ بل هي على القياس‏:‏ الكمأة للواحد، والكمء للكثير، وقال غيرهما‏:‏ الكمأة تكون واحداً وجمعاً‏.‏

واحتج أصحاب القول الأول بأنهم قد جمعوا كمئاً على أكمؤ، قال الشاعر‏:‏

ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا ** ولقد نهيتك عن بنات الأوبر

وهذا يدل على أن ‏(‏كمء‏)‏ مفرد، ‏(‏وكمأة‏)‏ جمع‏.‏

والكمأة تكون في الأرض من غير أن تزرع، وسميت كمأة لاستتارها، ومنه كمأ الشهادة‏:‏ إذا سترها وأخفاها، والكمأة مخفية تحت الأرض لا ورق لها، ولا ساق، ومادتها من جوهر أرضي بخاري محتقن في الأرض نحو سطحها يحتقن ببرد الشتاء، وتنميه أمطار الربيع، فيتولد ويندفع نحو سطح الأرض متجسداً، ولذلك يقال لها‏:‏ جدري الأرض، تشبيهاً بالجدري في صورته ومادته، لأن مادته رطوبة دموية، فتندفع عند سن الترعرع في الغالب، وفي ابتداء استيلاء الحرارة، ونماء القوة‏.‏

وهي مما يوجد في الربيع، ويؤكل نيئاً ومطبوخاً، وتسميها العرب‏:‏ نبات الرعد لأنها تكثر بكثرته، وتنفطر عنها الأرض، وهي من أطعمة أهل البوادي، وتكثر بأرض العرب، وأجودها ما كانت أرضها رملية قليلة الماء‏.‏

وهي أصناف‏:‏ منها صنف قتال يضرب لونه إلى الحمرة يحدث الاختناق‏.‏

وهي باردة رطبة في الدرجة الثالثة، رديئة للمعدة، بطيئة الهضم، وإذا أدمنت، أورثت القولنج والسكتة والفالج، ووجع المعدة، وعسر البول، والرطبة أقل ضرراً من اليابسة ومن

أكلها فليدفنها في الطين الرَّطب، ويَسلِقها بالماء والملح والصَّعْتر، ويأكلها بالزيت والتوابِل الحارَّة، لأن جوهرها أرضى غليظ، وغِذاءها ردىء، لكن فيها جوهر مائى لطيف يدل على خفتها، والاكتحال بها نافع من ظلمة البصر والرَّمد الحار، وقد اعترف فضلاء الأطباء بأنَّ ماءها يجلو العَيْن‏.‏ وممن ذكره المسيحىُّ، وصاحب القانون، وغيرهما‏.‏

وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ الكَمْأَة من المَنِّ‏)‏، فيه قولان‏:‏

أحدهما‏:‏ أنَّ المنَّ الذي أُنزل على بنى إسرائيل لم يكن هذا الحلو فقط، بل أشياءُ كثيرة مَنَّ الله عليهم بها من النبات الذي يُوجد عفواً من غير صنعة ولا عِلاج ولاحرث، فان المن مصدر بمعنى المفعول أى ‏(‏ممنون‏)‏ به فكل ما رزقه الله العبد عفوا بغير كسب منه ولا علاج، فهو مَنٌ محضٌ، وإن كانت سائر نعمه مَنّاً منه على عبده، فخصَّ منها ما لا كسب له فيه، ولا صُنعَ باسم ‏(‏المنِّ‏)‏، فإنه مَنٌ بلا واسطة العبد، وجعل سبحانه قُوتَهم بالتِّيه ‏(‏الكمأة‏)‏، وهى تقومُ مقام الخبز، وجعل أُدمهم ‏(‏السَّلْوى‏)‏، وهو يقوم مقام اللَّحم، وجعل حَلواهم ‏(‏الطلَّ‏)‏ الذي ينزلُ على الأشجار يقوم لهم مقام الحلوى‏.‏ فكَمُل عيشهُم‏.‏

وتأمل قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ الكمأة من المنِّ الذي أنزله الله على بنى إسرائيل‏)‏ فجعلها من جملته، وفرداً من أفراده، والترنْجبين الذي يسقط على الأشجار نوع من المَنِّ، ثم غلب استعمال المَنِّ عليه عُرْفاً حادثاً‏.‏

والقول الثانى‏:‏ أنه شَبَّهَ الكمأةَ بالمَنِّ المُنَزَّل من السماء، لأنه يُجمع من غير تعب ولا كلفة ولا زرع بِزر ولا سقى‏.‏

فإن قلت‏:‏ فإذا كان هذا شأنَ الكمأة، فما بالُ هذا الضرر فيها، ومن أين أتاها ذلك ‏؟‏

فاعلم أنَّ اللهَ سبحانه أتقن كُلَّ شىء صنعه، وأحسن كُلَّ شىء خلقه، فهو عند مبدإ خلقه برىءٌ من الآفات والعلل، تامُّ المنفعة لما هُيىء وخُلِقَ له، وإنما تعرِضُ له الآفاتُ بعد ذلك بأُمور أُخَر من مجاورة، أو امتزاج واختلاط، أو أسباب أُخَر تقتضى فسادَه، فلو تُرِكَ على خِلقته الأصلية من غير تعلق أسباب الفساد به، لم يفسد‏.‏

ومَنْ له معرفة بأحوال العالَم ومبدئه يعرِف أنَّ جميع الفساد في جَوِّه ونباته وحيوانه وأحوالِ أهله، حادثٌ بعد خلقه بأسباب اقتضت حدوثَه، ولم تزل أعمالُ بنى آدَم ومخالفتُهم للرُّسُل تُحدث لهم من الفساد العام والخاص ما يجلب عليهم من الآلام، والأمراض، والأسقام، والطواعين، والقحوط، والجدوب، وسلب بركات الأرض، وثمارها، ونباتها، وسلب منافعها، أو نقصانها أُموراً متتابعة يتلو بعضُهَا بعضاً‏.‏

فإن لم يَتَّسِعْ علمك لهذا فاكتفِ بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ظَهَرَ الْفَسَادُ في الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ‏}‏ ‏[‏الروم ‏:‏41‏]‏، ونَزِّل هذه الآية على أحوالِ العالَم، وطابِقْ بين الواقع وبينها، وأنت ترى كيف تحدث الآفاتُ والعلل كل وقت في الثمار والزرع والحيوان، وكيف يحدُث من تلك الآفات آفاتٌ أُخَرُ متلازمة، بعضُها آخذ برقاب بعض، وكُلَّما أحدث الناسُ ظلماً وفجوراً، أحدث لهم ربهم تبارك وتعالى من الآفات والعلل في أغذيتهم وفواكههم، وأهويتهم ومياههم، وأبدانهم وخلقهم، وصُورهم وأشكالهم وأخلاقهم من النقص والآفات، ما هو موجب أعمالهم وظلمهم وفجورهم‏.‏

ولقد كانت الحبوب من الحِنطة وغيرها أكبرَ مما هي اليوم، كما كانت البركةُ فيها أعظمَ‏.‏ وقد روى الإمام أحمد بإسناده‏:‏ أنه وجد في خزائن بعض بنى أميةَ صرة فيها حِنطةٌ أمثال نوى التمر مكتوبٌ عليها‏:‏ هذا كان ينبُت أيامَ العدل‏.‏ وهذه القصة، ذكرها في ‏(‏مسنده‏)‏ على أثر حديث رواه

وأكثرُ هذه الأمراض والآفات العامة بقيةُ عذاب عُذِّبتْ به الأُممُ السالفة، ثم بقيت منها بقية مُرصَدَةٌ لمن بقيت عليه بقيةٌ من أعمالهم، حكماً قسطاً، وقضاءً عدلاً، وقد أشار النبىُّ صلى الله عليه وسلم إلى هذا بقوله في الطاعون‏:‏ ‏(‏ إنَّه بقيةُ رجز أو عذاب أُرسِلَ على بنى إسرائيلَ‏)‏‏.‏

وكذلك سلَّط اللهُ سبحانه وتعالى الريحَ على قومٍ سبعَ ليالٍ وثمانيةَ أيام، ثم أبقَى في العالَم منها بقيةً في تلك الأيام، وفى نظيرها عِظةً وعِبرة‏.‏

وقد جعل اللهُ سبحانه أعمال البَرِّ والفاجر مقتضياتٍ لآثارها في هذا العالَم اقتضاءً لا بد منه، فجعل منعَ الإحسان والزكاة والصدقة سبباً لمنع الغَيْث من السماء، والقحطِ والجَدْبِ، وجعَلَ ظلمَ المساكين، والبخسَ في المكاييل والموازين، وتعدِّى القَوِّىُّ على الضعيف سبباً لجَوْر الملوك والولاة الذين لا يَرحمون إن اسْتُرْحِموا، ولا يَعْطِفُون إن استُعطِفُوا، وهم في الحقيقة أعمالُ الرعايا ظهرت في صور وُلاتهم، فإنَّ اللهَ سبحانه بحكمته وعدله يُظهِرُ للناس أعمالَهم في قوالِب وصورٍ تناسبها، فتارةً بقحط وجدب، وتارة بعدوٍّ، وتارةً بولاة جائرين، وتارةً بأمراضٍ عامة، وتارةً بهُموم وآلام وغموم تحضُرها نفوسُهم لا ينفكُّونَ عنها، وتارةً بمنع بركات السماء والأرض عنهم، وتارةً بتسليط الشياطين عليهم تَؤُزُّهم إلى أسباب العذاب أزَّاً، لِتَحِقَّ عليهم الكلمة، وليصيرَ كل منهم إلى ما خُلِقَ له‏.‏ والعاقل يُسَيِّر بصيرته بين أقطار العالَم، فيُشاهدُه، وينظر مواقعَ عدل الله وحكمته، وحينئذ يَتَبيَّنُ له أنَّ الرُّسُلَ وأتباعَهُم خاصةً على سبيل النجاة، وسائر الخلق على سبيل الهلاك سائرون، وإلى دار البَوار صائرون، واللهُ بالغُ أمرِه، لا مُعَقِّبَ لحكمه، ولا رادَ لأمره‏.‏‏.‏ وبالله التوفيق

وقوله صلى الله عليه وسلم في الكمأة‏:‏ ‏(‏ وماؤها شفاء للعَيْنِ ‏)‏ فيه ثلاثة أقوال‏:‏

أحدها‏:‏ أنَّ ماءَها يُخلَط في الأدوية التي يُعالَج بها العَيْنُ، لا أنه يُستعمل وحده، ذكره أبو عُبيد‏.‏

الثانى‏:‏ أنه يُستعمل بحْتاً بعد شَـيِّها، واستقطار مائها، لأنَّ النار تُلطِّفه وتُنضجه، وتُذِيبُ فضلاتِه ورطوبتَه المؤذية، وتُبقى المنافع‏.‏

الثالث‏:‏ أنَّ المراد بمائها الماءُ الذي يحدث به من المطر، وهو أولُ قَطْر ينزل إلى الأرض، فتكون الإضافة إضافةَ اقتران، لا إضافة جزء، ذكره ابن الجوزى، وهو أبعدُ الوجوه وأضعفها‏.‏

وقيل‏:‏ إن استُعمل ماؤها لتبريد ما في العَيْن، فماؤها مجرَّداً شفاء، وإن كان لغير ذلك، فمركَّب مع غيره‏.‏

وقال الغافقى‏:‏ ماء الكمأة أصلح الأدوية للعَيْن إذا عُجِنَ به الإثمِد واكتُحِلَ به، ويُقوِّى أجفانها، ويزيدُ الروحَ الباصرة قوةً وحِدَّة، ويدفع عنها نزول النوازل‏.‏

كَبَاثٌ‏:‏

في ‏(‏الصحيحين‏)‏‏:‏ من حديث جابر بن عبد الله رضى الله عنه، قال‏:‏ كُنَّا مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَجْنِى الكَباثَ، فقال‏:‏ ‏(‏عليكم بالأسْوَدِ مِنْهُ، فإنَّه أطْيَبُه‏)‏‏.‏

الكَباث بفتح الكاف، والباء الموحدة المخففة، والثاء المثلثة ثمرُ الأراك‏.‏ وهو بأرض الحجاز، وطبعُه حار يابس، ومنافعُه كمنافع الأراك‏:‏ يُقَوِّى المعدة، ويُجيدُ الهضمَ، ويجلُو البلغمَ، وينفعُ مِن أوجاع الظهر، وكثيرٍ من الأدواء‏.‏ قال ابن جُلْجُل‏:‏ إذا شُرِبَ طحينُه، أدرَّ البَوْلَ، ونقَّى المثانة، وقال ابنُ رضوان‏:‏ يُقَوِّى المَعِدَة، ويُمسكُ الطبيعة‏.‏

كَتَمٌ‏:‏

روى البخارىُّ في ‏(‏صحيحه‏)‏‏:‏ عن عثمان بن عبد الله ابن مَوْهَب، قال‏:‏ دخلنا على أُمِّ سَلَمة رضى الله عنها، فأخرجت إلينا شعَراً من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو مخضوبٌ بالحِنَّاء والكَتَمِ‏.‏

وفى ‏(‏السنن الأربعة‏)‏‏:‏ عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏إنَّ أحسنَ ما غيَّرْتُم به الشَّيْبَ الحِنَّاءُ والكَتَمُ‏)‏‏.‏

وفى ‏(‏الصحيحين‏)‏‏:‏ عن أنس رضى الله عنه، أنَّ أبا بكر رضى الله عنه اختَضب بالحِنَّاءِ والكَتَمِ‏.‏

وفى ‏(‏سنن أبى داود‏)‏‏:‏ عن ابن عباس رضى الله عنهما، قال‏:‏ مَرَّ على النبىِّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ قد خَضَبَ بالحِنَّاء، فقال‏:‏

‏(‏ما أحْسَنَ هذا‏)‏ ‏؟‏، فمرَّ آخرُ قد خَضَبَ بالحِنَّاءِ والكَتَم، فقال‏:‏ ‏(‏هذا أحسنُ من هذا‏)‏، فمرَّ آخَرُ قد خَضَبَ بالصُّفرة، فقال‏:‏ ‏(‏ هذا أحسنُ من هذا كُلِّهِ‏)‏‏.‏

قال الغافِقى‏:‏ ‏(‏الكَتَمُ نبتٌ ينبُت بالسهول، ورقُه قريب مِن ورق الزَّيْتون، يعلُو فوقَ القامة، وله ثمر قَدْرَ حَبِّ الفُلفُل، في داخله نوى، إذا رُضِخَ اسودَّ، وإذا استُخرجَتْ عُصارة ورقه، وشُرِبَ منها قدرُ أُوقية، قَيَّأَ قيئاً شديداً، وينفع عن عضة الكلب‏.‏ وأصلُه إذا طبِخَ بالماء كان منه مِدادٌ يُكتب به‏.‏

وقال الكِندى‏:‏ بزر الكَتَم إذا اكتُحِلَ به، حلَّل الماء النازل في العين وأبرأها‏.‏

وقد ظن بعض الناس أنَّ الكَتَمَ هو الوَسْمة، وهى ورق النِّيل، وهذا وهَمٌ، فإن الوَسْمة غير الكَتَم‏.‏ قال صاحب ‏(‏الصحاح‏)‏‏:‏ ‏(‏الكَتَم بالتحريك‏:‏ نبت يُخلط بالوَسْمة يُختضَب به‏.‏ قيل‏:‏ والوَسْمة نباتٌ له ورق طويل يَضرِبُ لونه إلى الزرقة أكبرُ من ورق الخِلاف، يُشبه ورق اللُّوبياء، وأكبرُ منه، يُؤتى به من الحجاز واليمن‏.‏

فإن قيل‏:‏ قد ثبت في ‏(‏الصحيح‏)‏ عن أنس رضى الله عنه، أنه قال‏:‏ ‏(‏لم يختضِب النبىُّ صلى الله عليه وسلم‏)‏‏.‏

قيل‏:‏ قد أجاب أحمد بن حنبلٍ عن هذا وقال‏:‏ قد شَهِدَ به غيرُ أنس رضى الله عنه على النبىِّ صلى الله عليه وسلم أنه خَضَبَ‏.‏ وليس مَنْ شَهِدَ بمنزلة مَن لم يشهدْ، فأحمدُ أثبتَ خِضاب النبىّ صلى الله عليه وسلم، ومعه جماعة من المحدِّثين، ومالك أنكره‏.‏

فإن قيل‏:‏ قد ثبت في ‏(‏صحيح مسلم‏)‏ النهىُ عن الخِضاب بالسواد في شأن أبى قُحافةَ لمَّا أُتِىَ به ورأسُه ولحيتُه كالثَّغَامة بياضاً، فقال‏:‏ ‏(‏غَيِّرُوا هذا الشَّيْبَ وجَنِّبُوهُ السَّوَاد‏)‏‏.‏ والكتمُ يُسَوِّد الشعرَ‏.‏

فالجواب من وجهين، أحدهما‏:‏ أنَّ النهى عن التسويد البحت، فأمَّا إذا أُضيف إلى الحِنَّاء شىءٌ آخرُ، كالكَتَم ونحوه، فلا بأس به، فإنَّ الكَتَمَ والحِنَّاء يجعل الشعر بيْن الأحمر والأسود بخلاف الوَسْمة، فإنها تجعلُه أسود فاحماً، وهذا أصح الجوابين‏.‏

الجواب الثانى‏:‏ أنَّ الخِضَاب بالسَّوَاد المنهى عنه خِضابُ التدليس، كخِضاب شعر الجارية، والمرأةِ الكبيرة تغرُّ الزوج، والسيدَ بذلك، وخِضَاب الشيخ يَغُرُّ المرأةَ بذلك، فإنه من الغش والخِداع، فأما إذا لم يتضمن تدليساً ولا خِداعاً، فقد صحَّ عن الحسن والحسين رضى الله عنهما أنهما كانا يخضِبان بالسَّواد، ذكر ذلك ابن جرير عنهما في كتاب ‏(‏تهذيب الآثار‏)‏، وذكره عن عثمان ابن عفان، وعبد الله بن جعفر، وسعد بن أبى وقاص، وعُقبةَ بن عامر، والمغيرة بن شعبة، وجرير بن عبد الله، وعمرو بن العاص‏.‏

وحكاه عن جماعة من التابعين، منهم‏:‏ عمرو بن عثمان، وعلى بن عبد الله بن عباس، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعبد الرحمن بن الأسود، وموسى بن طلحة، والزُّهْرى، وأيوب، وإسماعيل بن معدى كرب‏.‏

وحكاه ابن الجوزى عن محارب بن دِثار، ويزيد، وابن جُريج، وأبى يوسفَ، وأبى إسحاق، وابن أبى ليلى، وزياد بن عَلاقة، وغَيلان بن جامع، ونافع بن جُبير، وعمرو بن على المُقَدَّمى، والقاسم بن سلام

كَرْمٌ‏:‏

شجرة العِنَب، وهى الحَبَلَةُ، ويُكره تسميتها كَرْماً، لما روى مسلم في ‏(‏صحيحه‏)‏ عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏لا يقولَنَّ أحدُكُمْ للعِنَبِ الكَرْمَ، الكَرْمُ‏:‏ الرَّجُلُ المُسْلِمُ‏)‏‏.‏ وفى رواية‏:‏ ‏(‏إنما الكَرْمُ قَلْبُ المُؤْمِنِ‏)‏، وفى أُخرى‏:‏ ‏(‏لا تقولوا‏:‏ الكرمُ، وقُولُوا‏:‏ العِنَبُ والحَبَلَةُ‏)‏‏.‏

وفى هـذا معنيـان‏:‏

أحدهما‏:‏ أنَّ العرب كانت تُسمى شجرة العِنَب الكَرْمَ، لكثرة منافعها وخيرها، فكره النبىُّ صلى الله عليه وسلم تسميَتها باسم يُهيِّج النفوس على محبتها ومحبة ما يُتخذ منها من المسكر، وهو أُمُّ الخبائث، فكره أن يُسمَّى أصلُه بأحسن الأسماء وأجمعها للخير‏.‏

والثانى‏:‏ أنه من باب قوله‏:‏ ‏(‏لَيْسَ الشَّدِيدُ بالصُّرَعَةِ‏)‏، و‏(‏لَيْسَ المِسْكينُ بالطَّوَّافِ‏)‏‏.‏ أى‏:‏ أنكم تُسمون شجرةَ العِنَب كَرْماً لكثرة منافعه، وقلبُ المؤمن أو الرجل المسلم أولى بهذا الاسم منه، فإنَّ المؤمنَ خيرٌ كُلُّه ونفع، فهو من باب التنبيه والتعريف لما في قلب المؤمن من الخير، والجود، والإيمان، والنور، والهدى، والتقوى، والصفات التي يستحق بها هذا الاسم أكثرُ من استحقاق الحَبَلَة له‏.‏وبعد‏.‏‏.‏ فقوةُ الحَبَلَةِ باردة يابسة، وورقُها وعلائقها وعرمُوشها مبرد في آخر الدرجة الأُولى، وإذا دُقَّت وضُمِّدَ بها من الصُّدَاع سكنته، ومن الأورام الحارة والتهاب المعدة‏.‏ وعُصارةُ قضبانه إذا شُرِبت سكَّنت القىء، وعقلت البطن، وكذلك إذا مُضغت قلوبها الرطبة‏.‏ وعُصارةُ ورقها، تنفع من قروح الأمعاء، ونفْث الدم وقيئه، ووجع المَعِدَة‏.‏ ودمعُ شجره الذي يُحمل على القضبان، كالصمغ إذا شُرِبَ أخرج الحصاة، وإذا لُطِخَ به، أبرأ القُوَبَ والجَرَبَ المتقرح وغيره، وينبغى غسل العضو قبل استعمالها بالماء والنَّطْرون، وإذا تمسَّح بها مع الزيت حلق الشعر، ورمادُ قضبانه إذا تُضمِّدَ به مع الخل ودُهْن الورد والسَّذاب، نفع من الورم العارض في الطِّحال، وقوةُ دُهْن زهرة الكَرْم قابضة شبيهةٌ بقوة دُهْن الورد، ومنافعها كثيرة قريبة من منافع النخلة‏.‏

كَرَفْس‏:‏

روى في حديث لا يصِحُّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال‏:‏ ‏(‏مَن أكَلَهُ ثم نامَ عليه، نام ونَكْهتُهُ طَيِّبةٌ، وينامُ آمناً من وَجَعِ الأضراسِ والأسنانِ‏)‏، وهذا باطل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن البُسْتانىَّ منه يُطيِّب النكهة جدّاً، وإذا عُلِّق أصله في الرقبة نفع من وجع الأسنان‏.‏

وهو حارٌ يابس، وقيل‏:‏ رطب مفتِّح لسُداد الكَبِد والطِّحال، وورقُه رطباً ينفعُ المَعِدَة والكَبِدَ الباردة، ويُدِرُّ البَوْل والطَّمْث، ويُفتِّت الحصاة، وحَبّه أقوى في ذلك، ويُهيِّج الباه، وينفعُ مِن البَخَر‏.‏ قال الرازىُّ‏:‏ وينبغى أن يُجتنب أكله إذا خِيفَ من لدغ العقارب‏.‏

كُرَّاثٌ‏:‏

فيه حديث لا يصِحُّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هو باطل موضوع‏:‏ ‏(‏مََن أَكَلَ الكُرَّاث ثم نامَ عليه نام آمناً مِنْ ريح البَوَاسيرِ واعْتَزَلَهُ الملََكُ لِنَتَنِ نََكْهَتِه حتى يُصْبحَ‏)‏‏.‏

وهو نوعان‏:‏ نَبَطىٌّ وشامىٌّ، فالنبطىُّ‏:‏ البقلُ الذي يوضع على المائدة‏.‏ والشامىُّ‏:‏ الذي له رؤوس، وهو حار يابس مُصدِّع، وإذا طُبخَ وأُكِلَ، أو شُرِب ماؤه، نفع من البواسير الباردة‏.‏ وإن سُحِقَ بزره، وعُجِنَ بقَطِرَانٍ، وبُخِّرَت به الأضراسُ التي فيها الدودُ نثرها وأخرجها، ويُسكِّن الوجع العارض فيها، وإذا دُخنت المقعدةُ ببزره خَفَّت البواسير، هذا كله في الكُرَّاث النَبَطى‏.‏

وفيه مع ذلك فساد الأسنان واللِّثَة، ويُصَدِّع، ويُرى أحلاماً رديئةً، ويُظلم البصر، ويُنتن النَّكهة، وفيه إدرارٌ للبَوْل والطَّمث، وتحريكٌ للباه، وهو بطىءُ الهضم‏.‏

حرف اللام

لَحْمٌ‏:‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ‏}‏ ‏[‏الطور ‏:‏ 22‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ‏}‏ ‏[‏الواقعة‏:‏ 21‏]‏ ‏.‏

وفى ‏(‏سنن ابن ماجه‏)‏ من حديث أبى الدرداء، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏سَيِّدُ طَعَامِ أهْلِ الدُّنيا وأهْلِ الجَنَّةِ اللَّحْمُ‏)‏‏.‏ ومن حديث بُريدةَ يرفعه‏:‏ ‏(‏خَيْرُ الإدَامِ في الدُّنيا والآخِرَةِ اللَّحْمُ‏)‏‏.‏

وفى ‏(‏الصحيح‏)‏ عنه صلى الله عليه وسلم‏:‏‏(‏فضلُ عائشةَ على النِّساءِ كفضلِ الثَّريدِ على سائِرِ الطَّعَامِ‏)‏‏.‏

و‏(‏الثريد‏)‏‏:‏ الخبز واللَّحم‏.‏ قال الشاعر‏:‏

إذَا مَا الْخبْزُ تَأْدِمُـهُ بِلَحْمٍ ** فَذَاكَ أَمَانَــةَ اللهِ الثّرِيـــدُ

وقال الزُّهْرى‏:‏ أكل اللَّحْم يَزيدُ سبعين قوَّة، وقال محمد بن واسع‏:‏ اللَّحْم يزيد في البصر، ويُروى عن على بن أبى طالب رضى الله عنه‏:‏

‏(‏كُلُوا اللَّحْمَ، فإنه يُصَفِّى اللَّوْنَ، ويُخْمِصُ البَطْنَ، ويُحَسِّنُ الخُلُقَ‏)‏، وقال نافع‏:‏ كان ابن عمر إذا كان رمضانُ لم يَفُتْه اللَّحْم، وإذا سافر لم يفته اللَّحْمَ‏.‏ ويُذكر عن علىٍّ‏:‏ مَن تركه أربعين ليلة ساء خُلُقه‏.‏

وأما حديث عائشة رضى الله عنها، الذي رواه أبو داود مرفــوعاً‏:‏ ‏(‏لا تَقْطَعُوا اللَّحْمَ بالسكِّين، فإنه من صَنِيع الأعَاجِم، وانْهشُوهُ، فإنه أَهْنَأُ وأمرأُ‏)‏‏.‏ فرده الإمام أحمد بما صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم مِن قَطعِه بالسِّكِين في حديثين، وقد تقدَّما‏.‏

واللَّحمُ أجناس يختلِفُ باختلافِ أُصولِهِ وطبائعه، فنذكرُ حُكمَ كل جنس وطبعَه ومنفعَته ومضرَّته‏.‏

لحم الضأن‏:‏

حار في الثانية، رطب في الأُولى، جيده الحَوْلىُّ، يُولِّدُ الدم المحمود القوى لمن جاد هضمُه، يصلح لأصحاب الأمزجة الباردة والمعتدلة، ولأهل الرياضات التامة في المواضع والفصول الباردة، نافع لأصحاب المِرَّة السوداء، يُقوِّى الذهن والحفظ‏.‏ ولحم الهَرِمِ والعَجيفِ ردىء، وكذلك لحمُ النِّعاج، وأجوده‏:‏ لحمُ الذَّكَر الأسود منه، فإنه أخف وألذ وأنفع، والخصىُّ أنفعُ وأجود، والأحمر من الحيوان السمين أخفُّ وأجودُ غذاءً، والجَذَعُ مِن المَعْز أقل تغذية، ويطفو في المَعِدَة‏.‏

وأفضل اللَّحْم عائذه بالعظم، والأيمن أخف وأجود من الأيسر، والمقدم أفضل من المؤخر، وكان أحبُّ الشاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمها، وكلُّ ما علا منه سوى الرأس كان أخفَّ وأجود مما سَفَل، وأعطى الفرزدقُ رجلاً يشترى له لحماً وقال له‏:‏ ‏(‏خذ المقدَّم، وإياك والرأسَ والبطنَ، فإنَّ الداء فيهما‏)‏‏.‏

ولحم العنق جيد لذيذ، سريعُ الهضم خفيف، ولحم الذراع أخفُّ اللَّحْم وألذُّه وألطفه وأبعدُه من الأذى، وأسرعُه انهضاماً‏.‏

وفى ‏(‏الصحيحين‏)‏‏:‏ أنه كان يُعجِب رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

ولحم الظَّهْر كثير الغذاء، يُولِّد دماً محموداً‏.‏ وفى ‏(‏سنن ابن ماجه‏)‏ مرفوعاً‏:‏ ‏(‏أطْيَبُ اللَّحْمِ لَحْمُ الظَّهْرِ‏)‏‏.‏

لحمُ المَعْز‏:‏

قليل الحرارة، يابس، وخِلْطُه المتولد منه ليس بفاضل وليس بجيد الهضم، ولا محمود الغذاء‏.‏ ولحمُ التَّيْس ردىءٌ مطلقاً، شديد اليُبس، عَسِرُ الانهضام، مُولِّد للخلط السوداوى‏.‏

قال الجاحظ‏:‏ قال لى فاضل من الأطباء‏:‏ يا أبا عثمان؛ إياك ولحمَ المَعْز، فإنه يُورث الغم، ويُحرِّك السوادءَ، ويُورث النسيان، ويُفسد الدم، وهو واللهِ يَخْبِلُ الأولاد‏.‏

وقال بعض الأطباء‏:‏ إنما المذمومُ منه المُسِنُّ، ولا سِيَّما للمُسنِّين، ولا رداءةَ فيه لمن اعتاده‏.‏ و

‏(‏جالينوس‏)‏ جعل الحَوْلىَّ منه من الأغذية المعتدلة المعدِّلة للكَيْموس المحمود، وإناثُه أنفعُ من ذكوره‏.‏

وقد روى النسائى في ‏(‏سننه‏)‏‏:‏ عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أحْسِنوا إلى الماعِزِ وأمِيطُوا عنها الأذى، فإنها من دوابِّ الجَنَّةِ‏)‏‏.‏ وفى ثبوت هذا الحديث نظرٌ‏.‏

وحكمُ الأطباء عليه بالمضرَّة حكمٌ جزئىٌ ليس بكلىٍّ عام، وهو بحسب المَعِدَة الضعيفة، والأمزجة الضعيفة التي لم تعتده، واعتادت المأكولات اللطيفة، وهؤلاء أهل الرفاهية من أهل المدن، وهم القليلون من الناس‏.‏

لحم الجَدْى‏:‏

قريب إلى الاعتدال، خاصةً ما دام رَضيعاً، ولم يكن قريبَ العهد بالوِلادة، وهو أسرعُ هضماً لما فيه من قُوَّة اللَّبن، مُليِّن للطبع، موافق لأكثر الناس في أكثر الأحوال، وهو ألطفُ مِن لحم الجمل، والدمُ المتولد عنه معتدل‏.‏

لحم البَقَر‏:‏

بارد يابس، عَسِرُ الانهضام، بطىءُ الانحدار، يُوَلِّدُ دماً سوداوياً، لا يصلُح إلا لأهلِ الكَدِّ والتعب الشديد، ويُورث إدمانُه الأمراضَ السوداوية، كالبَهَق والجَرَب، والقُوباء والجُذام، وداء الفيل، والسَّرَطانِ، والوسواس، وحُمَّى الرِّبع، وكثير من الأورام، وهذا لمن لم يعتده، أو لم يَدفعْ ضررَه بالفُلفُل والثُّوم والدارصينى والزنجبيل ونحوه، وَذَكَرُه أقلُّ بُرودةً، وأُنثاه أقلُّ يبساً‏.‏

ولحمُ العِجل ولا سِـيَّما السمينَ مِن أعدل الأغذية وأطيبِها وألذها وأحمدِهَا، وهو حار رطب، وإذا انهضم غذَّى غذاءً قوياً‏.‏

لحم الفَـرَس‏:‏

ثبت في ‏(‏الصحيح‏)‏ عن أسماءَ رضى الله عنها، قالت‏:‏ نَحرْنا فرساً فأكلناه على عهدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أذن في لحوم الخيل، ونَهى عن لحوم الحُمُرِ‏.‏ أخرجاه في الصحيحين‏.‏

ولا يثبت عنه حديثُ المِقدام بن معدى كرب رضى الله عنه أنه نهى عنه‏.‏ قاله أبو داود وغيره من أهل الحديث

واقترانُه بالبغالِ والحَميرِ في القرآن لا يدل على أنَّ حكم لحمه حكم لحومها بوجه من الوجوه، كما لا يدُلُّ على أنَّ حكمها في السهم في الغنيمة حكمُ الفَرَس، والله سبحانه يَقْرِنُ في الذِّكْرِ بين المُتماثِلات تارةً، وبين المختلفات، وبين المتضادَّات، وليس في قوله‏:‏ ‏{‏لِتَرْكَبُوهَا‏}‏ ما يمنع من أكلها، كما ليس فيه ما يمنعُ من غير الركوب من وجوه الانتفاع، وإنما نَصَّ على أجلِّ منافعها، وهو الركوبُ، والحديثان في حِلِّها صحيحان لا مُعَارِضَ لهما‏.‏

وبعد‏.‏‏.‏ فلحمُهَا حارٌ يابس، غليظٌ سوداوىٌّ مُضِرٌ لا يصلح للأَبدان اللَّطيفة‏.‏

لحم الجَمل‏:‏

فَرْقُ ما بين الرافضة وأهل السُّـنَّة، كما أنه أحد الفروق بين اليهود وأهل الإسلام‏.‏ فاليهود والرافضة تَذُمُّه ولا تأكله، وقد عُلِمَ بالاضطرار من دين الإسلام حِلُّه، وطالَما أكله رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأصحابُه حَضَراً وسَفَراً ولحم الفَصيل منه مِن ألذِّ اللُّحوم وأطيبها وأقواها غِذاءً، وهو لمن اعتاده بمنزلة لحم الضأن لا يضرُّهم ألبتة، ولا يُولِّد لهم داء، وإنما ذمَّه بعضُ الأطباء بالنسبة إلى أهل الرفاهية مِن أهل الحَضَر الذين لا يعتادوه، فإنَّ فيه حرارة ويُبْساً، وتوليداً للسَّوداء، وهو عَسِرُ الانهضام، وفيه قوةٌ غيرُ محمودة، لأجلها أمر النبىُّ صلى الله عليه وسلم بالوضوء مِن أكله في حديثين صحيحين لا معارض لهما، ولا يصح تأويلهُمَا بغسل اليد، لأنه خلافُ المعهود من الوضوء في كلامه صلى الله عليه وسلم، لتفريقه بينه وبين لحم الغنم، فخيَّر بين الوضوء وتركه منها، وحتَّم الوضوء من لحوم الإبل‏.‏ ولو حُمِلَ الوضوءُ على غسل اليد فقط، لحُمِلَ على ذلك في قوله‏:‏ ‏(‏مَن مسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَأ‏)‏‏.‏

وأيضاً‏:‏ فإنَّ آكِلَهَا قد لا يباشر أكلها بيده بأن يوضع في فمه، فإن كان وضوؤه غسلَ يده، فهو عبث، وحملٌ لكلام الشارع على غير معهوده وعُرْفه، ولا يَصِحُّ معارضته بحديث‏:‏ ‏(‏كان آخرُ الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مسَّت النار‏)‏ لعدة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ أنَّ هذا عامٌ، والأمر بالوضوء منها خاص‏.‏

الثانى‏:‏ أنَّ الجهة مختلفة، فالأمرُ بالوضوء منها بجهة كونها لحمَ إبل سواء أكان نِيئاً، أو مطبوخاً، أو قديداً، ولا تأثيرَ للنار في الوضوء‏.‏ وأمَّا تركُ الوضوء مما مسَّتِ النَّار، ففيه بيانُ أنَّ مَسَّ النارِ ليس بسبب للوضوء، فأينَ أحدُهما مِن الآخر ‏؟‏ هذا فيه إثباتُ سبب الوضوء، وهو كونُه لحمَ إبل، وهذا فيه نفىٌ لسبب الوضوء، وهو كونُه ممسوسَ النار‏.‏ فلا تعارضَ بينهما بوجه‏.‏

الثالث‏:‏ أنَّ هذا ليس فيه حكايةُ لفظ عام عن صاحب الشرع، وإنما هو إخبارٌ عن واقعة فعل في أمرين، أحدهما‏:‏ متقدَّم على الآخر، كما جاء ذلك مبيَّناً في نفس الحديث‏:‏ ‏(‏أنهم قرَّبوا إلى النبىِّ صلى الله عليه وسلم لحماً، فأكل، ثم حضرتِ الصلاة، فتوضأ فصلَّى، ثم قرَّبوا إليه فأكل، ثم صلَّى، ولم يتوضأ، فكان آخِرُ الأمرين منه تركَ الوضوءِ مما مسَّت النارُ‏)‏، هكذا جاء الحديثُ، فاختصره الراوى لمكان الاستدلالِ، فأين في هذا ما يصلُح لنسخ الأمر بالوضوء منه، حتى لو كان لفظاً عاماً متأخراً مقاوِماً، لم يصلح للنسخ، ووجب تقديمُ الخاص عليه، وهذا في غاية الظهور‏.‏

لحم الضَّب‏:‏

تقدَّم الحديثُ في حِلِّه، ولحمه حار يابس، يُقوِّى شهوة الجِماع‏.‏

لحم الغـزال‏:‏

الغزالُ أصــلحُ الصيد وأحمدُه لحماً، وهو حارٌ يابس، وقيل‏:‏ معتدل جداً، نافع للأبدان المعتدلة الصحيحة، وجيّدُه الخِشْف‏.‏

لحم الظَّبى‏:‏

حارٌ يابس في الأُولى، مجفِّف للبدن، صالح للأبدان الرطبة‏.‏

قال صاحب ‏(‏القانون‏)‏‏:‏ وأفضلُ لحومِ الوحش لحمُ الظَّبىِ مع ميله إلى السوداوية‏.‏

لحم الأرانب‏:‏

ثبت في ‏(‏الصـحيحين‏)‏‏:‏ عن أنـس بن مالك، قال‏:‏‏(‏ أنْفَجْنَا أرنباً فَسَعَوْا في طلبها، فأخذوها، فبعث أبو طلحة بِوَرِكِهَا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَبِلَهُ‏)‏‏.‏

لحم الأرنب‏:‏ معتدل إلى الحرارة واليبوسة، وأطيبُها وَرِكُهَا، وأحمدُهُ أكل لحمها مشوياً، وهو يَعقِل البطن، ويُدِرُّ البَوْل، ويُفتِّت الحصى، وأكلُ رؤوسها ينفعُ مِن الرِّعشة‏.‏

لحم حمار الوَحْش‏:‏

ثبت في ‏(‏الصحيحين‏)‏‏:‏ من حديث أبى قتادة رضى الله عنه‏:‏ ‏(‏أنهم كانوا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في بعض عُمَرِهِ، وأنه صادَ حِمَارَ وحش، فأمَرُهم النبىُّ صلى الله عليه وسلم بأكله وكانوا مُحْرِمِين، ولم يكن أبو قتادة مُحْرِماً‏)‏‏.‏

وفى ‏(‏سنن ابن ماجه‏)‏‏:‏ عن جابر قال‏:‏ ‏(‏أكلْنا زمنَ خيبرَ الخيلَ وحُمُرَ الوحش‏)‏‏.‏

لحمه حار يابس، كثيرُ التغذية، مُولِّد دماً غليظاً سوداوياً، إلا أنَّ شحمَه نافع مع دُهْن القُسط لوجع الظَّهر والرِّيح الغليظة المرخية للكُلَى، وشحمُه جيد لِلْكَلَفِ طِلاءً، وبالجملة فلحومُ الوحوش كُلُّهَا تُولِّد دماً غليظاً سوداوياً، وأحمدُه الغزال، وبعده الأرنب‏.‏

لحوم الأجِنَّة‏:‏

غير محمودة لاحتقان الدم فيها، وليست بحرام لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ذَكَاةُ الجَنِين ذَكَاةُ أُمِّهِ‏)‏‏.‏

ومنعَ أهلُ العراق مِن أكله إلا أن يُدْرِكَه حَيّاً فيُذَّكيه، وأوَّلوا الحديثَ على أن المراد به أنَّ ذكاته كذكاة أُمِّه‏.‏ قالوا‏:‏ فهو حُجَّة على التحريم، وهذا فاسد، فإنَّ أول الحديث أنهم سألوا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقالُوا‏:‏ يا رسولَ الله؛ نذبحُ الشاةَ، فنجدُ في بطنها جنيناً، أفنأكلهُ ‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏كُلُوهُ إنْ شِئْتُم فإنَّ ذكاتَهُ ذَكاةُ أُمِّهِ‏)‏‏.‏

وأيضاً‏:‏ فالقياسُ يقتضى حِلَّهُ، فإنه ما دامَ حَمْلاً فهو جزء من أجزاء الأُم، فذكاتُهَا ذكاةٌ لجميع أجزائها، وهذا هو الذي أشار إليه صاحبُ الشرع بقوله‏:‏ ‏(‏ذكاتُه ذكاةُ أُمِّه‏)‏، كما تكون ذكاتُها ذكاةَ سائر أجزائها، فلو لم تأتِ عنه السُّـنَّةُ الصريحة بأكله، لكان القياسُ الصحيحُ يقتضى حِلَّه‏.‏

لحم القَدِيد‏:‏

في ‏(‏السنن‏)‏‏:‏ من حديث ثوبان رضى الله عنه قال‏:‏ ذبحتُ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم شاةً ونحن مسافرون، فقال‏:‏ ‏(‏أصْلِحْ لَحْمَها‏)‏ فلم أزل أُطِعمُه منه إلى المدينة‏.‏

القديدُ‏:‏ أنفع من النمكسود، ويُقوِّى الأبدان، ويُحدثُ حِكَّة، ودفعُ ضرره بالأبازير الباردة الرطبة، ويُصلح الأمزجة الحارة‏.‏

والنمكسودُ‏:‏ حارٌ يابس مجفِّف، جيِّدُه من السمين الرطب، يضرُّ بالقُولنْج، ودفعُ مضرَّته طبخُه باللَّبن والدُّهْن، ويصلح للمزاج الحار الرطب‏.‏